المميزات الخاصة للجريمة

المميزات الخاصة للجريمة

تمهيد: بعدما أن إكتملت فكرة خضوع المجتمع لتعاليم الدولة أصبحت تمتلك حق التجريم بوضع قواعد في نصوص مقننة مكتوبة عادة ما تسمى بقانون العقوبات     و لما كانت الجريمة قديمة قدم البشرية نفسها و الشاهد في هذا صورة الجريمة الأولى في الحادث الدموي الأخوى لكنها لم تبق الوحيدة بل تعددت عبر العصور    و عليه فقد تكفل بتعدادها قانون العقوبات و القوانين الأخرى و لهذا يجب ظبط مظاهر ثابتة تنطبق على الجميع حاكم و محكوم شخص طبيعي و معنوي إلا أن هذا لا يعني عدم مراجعة خط السير بمعطيات تطور المجتمع في كل المجالات مع الأخذ بعين الإعتبار الضحايا و حقوقهم التي هدرت بفعل إجرامي و أحيانا بممارسات  تعسفية أثناء الأزمات.

أولا: المظاهر الثابتة للجريمة: 
1)- مبدأ الشرعية: كأصل عام فإن كلمة المشرع في المجال القانوني تطلق على القواعد التي تصدر من المشرع و يجب أن تتصف بثلاثة عناصر:

أ)- العمومية: أي على كل شخص وطني أو أجنبي يستفيد من الحماية القانونية و يعاقب عندما يخالف أوامر أو نداءات المشرع.

ب)- التجريد: اعني إنه لا يميز بين المستويات لشرائح أو طوائف المجتمع من النواحي الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية و اللغة و الدين و الفكر و الجنس.

ج)- الإلزام: أي أنها تخاطب بصفة الإجبار على اتباعه نظام المجتمع حيث القانون يعاقب المجرم و يأخذ بيد المظلوم و يرد الإعتبار لهيبة نظام الدولة          و مؤسساتها و عليه فمبدأ شرعية تجريم الفعل سواء بطبيعته جريمة نكراء مثل اللصوصية أو إعتبار المصلحة إجتماعية يصنفها القانون جريمة مثل السياقة في حالة سكر و حالة التشرد يجب أن يتم التجريم بألفاظ واضحة الدلالة عن طريق قانون مدون يبين نوع الفعل المعتبر جريمة و العقوبة المقررة للذي تعدى هذا الإطار المنعي و عليه صيغت التشريعات الجنائية العالمية و الوطنية و الإقليمية القاعدة التالية " لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون أو نص " و من هنا فحتى يتأكد الفعل بصيغة الجريمة يجب أن يدرج في تقنين العقوبات و منها يستبعد وصف الجريمة عن الأعراف و التقاليد و العادات السيئة حتى و لو استهجنتها الجماعة فعدم تدخل المشرع لتحديد الفعل الإجرامي تبقى صفة الإباحة له إلا أنه في بعض المجالات و الفترات يفرض المشرع الدستوري إختصاص تشريعي بنص اللائحة إلى هيآت أو أشخاص يعينهم بهيكلهم مثل رئيس الجمهورية و بعض الوزارات في مجال إختصاصهم الإداري للقيام بأحسن وجه في سير المصالح العمومية فتكتسب هذه المراسيم الإلزامية القانونية فالذي يخالفها يعد مجرما و لكن دائما يبقي المشرع للقوانين العادية هو الذي يؤصل شرعيتها في دوراته العادية      و هو نفسه يراقب عدم خروج الإدارة عن إختصاصها و إذا تبين مخالفتها للإطار الشرعي فيلغيها و البرلمان نفسه يتقيد بما في الدستور فإذا حدى عنه فهو قد خرج عن المشروعية التي تؤكد إتباع ما هو شرعي لأن كل سلطة في الدولة مصدرها القانون و تعمل وفق أوامره و نواهيه و ضمن الحدود المرسومة لها و إن تجسد مبدأ سيادة القانون على الأشخاص و على نفسها بان تحترم ما أصدرته حتى نقول أن سلطات الدولة تخضع أيضا للقانون أعني أن القواعد القانونية بالمفهوم الواسع من الدستور و قوانين و لوائح تكون موضع احترام من هيآت الدولة و أفرادها.

2)- السلوك الإجرامي: يعتبر المحور الرئيس و الثابت في كل الأفعال اللاشرعية و يتأكد بواقعين هما:

ا)ـ الواقع القانوني ما جاء به المشرع من أوصاف يدخل في التعريف اللفظي لنصوص القانون من غير الاعتماد على توضيحات للمعنى و عندئذ يقال إتباع حرفية النص عند التطبيق و التنفيذ أعني منطوق النص.

ب)- المفهوم التفسيري اعني تجسيد معني اللفظ حكما أي مفهوم منطوق النص و ذلك بالرجوع إلى النشاط الذي يجسد الجريمة أي مجموعة الأنشطة التي يقدم عليها الجاني و يستعملها في الجريمة و هي قد تكون بحواسه مثل إمداد يده.
إلى ملك الغير أو بلسانه كالسب أو يستعين بوسيلة أخرى لتحقيق عمله و قد يتحكم في الظروف فيسوق الضحية إلى ارتكاب الجريمة على نفسها. غير أنه يجب عدم الخلط بين السلوك كمظهر خارجي للإرادة و طبيعة السلوك لكل جريمة مثلا في السرقة هو نقل الحيازة للمنقول و القتل هو إزهاق الروح و القذف هو التجريح للمعنويات هذا و السلوك و تنوع طبيعته يظهر في عدة صور أهمها الايجابي ثم السلبي أو الامتناع ثم الربط المنطقي لمجريات ما يترتب عنها من نتائج ضارة و ما يتخللها من مسببات حتى يستقيم المصدر مع النتيجة فيقال حينئذ لولا هذا ما وقع ذلك فنقرن العلة مع المعلول مثلا انعدام تحرك الشخص سببه القبض و ليس الشلل أي لولا القبض لتنقل المقبوض عليه إلى مكان آخر و هكذا فحسب المجرى العادي للأمور يكون السلوك سببا منتجا للضرر الجنائي فإن السببية تتوفر فيتعين تقرير المسؤولية الجزائية.

3)- المسؤولية الجزائية: المبدأ العام في كل المحظورات لا يعذر من يدفع بجهله للقانون إذ الانسان في المجتمع يجب ان يسعى إلى العلم بما ينفعه و يضره   و هكذا جاء القول بإفتراض علم المواطنين و يتبع في هذا المجال ان الدولة تسخر الوسائل التي تمتلكها لإخطار رعاياها بما تحرمه فالمباح لا ضرر في تركه أو فعله و من هنا فإن الجهل بالقوانين جملة واحدة غير مستساغ و عليه قسم المشرع الجزائي الجهل إلى مستويات عملية فحتى يسأل الإنسان عن جهله يجب ان يتمتع بالرشد الجنائي و أن لا يقع تحت طائلة التحايل و التدليس و أن يكون القانون متعلق بالنظام العام.

أ)ـ الدفع بعدم فهم النصوص القانونية يعتبر خطأ و ليس جهلا لأن الجهل هو نفي العلم بالقانون الساري المفعول و هذا ينبئ عن عدم مشاركة المواطن فيما يجرى بداخل وطنه أو مكان إقامته.

ب)ـ الغلط في الوقائع المرتبطة بأركان الجريمة فإذا انصب الغلط على ماديات فيزيل القصد الجنائي عن الجريمة فتصبح فعلا ضارا إذا وقع الغلط بأداء المهمة حسبما يتطلبها قانون المهنة فهذا يحسب عدم إنتباه أو إهمال أو عدم الإحتياط أي الخطأ الخالي من القصد الجنائي.

ج)ـ الخطأ في التنفيذ و لكن الجهل في محل الجريمة أو ظروفها المشددة فهذا هو المقصود بالخطأ الجنائي أي القصد الجنائي اعني ان النية موجودة لكن قصور في حسن التدبير للوقت أو الوسيلة فالخطأ بصفة عامة هو عدم الالتزام بحدود المباح و الخطأ في المجال الجنائي يتمحور حول ثلاث حالات:

- إرتكاب فعل محرم مع إنتظار نتيجة أي الفعل الارادي مقرون بالعلم لنتائجه.
و يعبر عنه بالقصد الجنائي أي الجريمة عمدية و يصطلح عليه بالركن المعنوي.

- ارتكاب الفعل المجرم بالحركة الإرادية المادية من غير العلم بالنتيجة الضارة و هنا اللاقصد او الخطأ الغير العمدي.
- ارتكاب الفعل المجرم في امكانه توقع النتيجة الضارة و هذا يمكن وصفه الخطأ العمدي كما يمكن وصفه بالخطأ الغير العمدي حسب ظروف الحال. و عليه فالقصد الجنائي يتصور في كل مواد قانون العقوبات و اللاقصد مرسوم في المادتين: 298 + 289 عقوبات جزائري. و كلا الوصفين ينتج عن تحقيقهما مصطلح المسؤولية الجزائية هو تحمل الشخص لجزاء جنائي لاقدامه على فعل جرمه المشرع و أن وقت إرتكاب الفعل كان المتهم في حالة عادية في مقدرته ألا يأتي بالجريمة لكن أتاها طواعية فاللوم عليه لأنه سلك سلوك مخالفا لنظام قانوني عقابي و ابعد من هذا أن الأساس الإجتماعي في الإنسان يتهدم عندما يخالف تعاليم الجماعة و هذا يكشف عن خطورة كامنة في نفسه تهدد أمن المجتمع في اشخاصه أو ممتلكاتهم أو مصالحهم. وعلى الدولة ان تزجر المجرم عن الإطار العام للحياة الإجتماعية.

ثانيا: المواصفات المتغيرة للجريمة: و هي التي تتعلق غالبا بمضامين التجريم في مواد القسم الخاص لقانون العقوبات التي ترسم الحقوق المحمية و كل خرق لها يعتبر تعدي على المصالح الأساسية للمجتمع.

فمن حيث موضوع الجريمة: فقد يعني بالحق كسبب للتجريم و هنا تضيف   و تتسع حالات التجريم لاعتبارات قد تتعلق بالذاتية المادية للشئ أو لفكرة سياسية أو لتعدد الحماية الدولية للموضوع فنكون أمام أوصاف مادية مثل التشهير بحالة جرم سياسي المحرض على فتنة.

أو إقتصادي مثل رواج المخدرات أو جسدي مثل تشويه الموتى فتتغير المواصفات الإجرامية بحسب ظهور وقلة هذه الأفعال و قد يعتمد التغيير الوصفي للجريمة بالنظر إلى الهدف القانوني: من ذلك حماية كرامة الإنسان من الشماتة      و الأمان في الممتلكات من اللصوصية و حفظ الأعراض في حالات الخطف فكلها هدرت المصلحة العامة تشدد المشرع في توسيع الوصف الإجرامي و كلما قل الإندفاع إلى تعميم هذه الجرائم تقيد المشرع بالمساس بالمصلحة الخاصة حتى انه يحكم رأي الضحية في إظهار و عدم إظهار الجريمة المرتكبة عليه و يمنح له الأولوية في المبادرة بحماية مصلحته المهدورة أو يتصالح و قد يسامح المجرم لأن الضرر لا يتعدى اعتبارات المتضرر المباشر.

و المشرع عندما يتبنى سياسة جنائية معينة إنما ينطلق من ثوابت من الضرورة الملحة أن يصون القيم الإجتماعية من حساسيات خلفية و توجهات عقائدية و ظروف خاصة بالبيئة من عادات و تقاليد و اعرف و حتميات ايكولوجية و قدرات اقتصادية و أنظمة اديولوجية و سياسية.

و في مقابل الجريمة يضع سلم للعقوبات تبعا للمستجدات الداخلية، فمثلا عقوبة الإعدام تقرر لها ترتيبات قانونية و طرق الإعلان عن إتمامها بوسائل حضرية و أبعد من هذا تظهر الإستثناءات لها وقد يلغيها لفترة ما.

اما عقوبة السجن فحتى يفرغها في قالب رهيب يجعل محلات استقبالها ذات ظروف تؤكد صلابة القائمين على تطبيقها فمثلا الإنعزال.

لكل محكوم بها شرط أساسي و بعض الدول الإنعزال مع الأشغال الشاقة     و جهات دولية أخرى نقل المحكوم عليه إلى مكان بعيد عن الحياة الاجتماعية       و حسب المعتقدات الحالية في الفكر الجنائي يجب النظر إلى المجرم بعين الإصلاح و منها أصبحت العقوبات القصيرة المدة الحبس مثلا تستبدل بالعمل الإجباري لصالح الدولة في مواقع العمل الرسمي للمحكوم عليهم أو في ورشات ذات طابع مهني.

و قد تعد الأمر إلى تسريح المجرم للتكيف مع المحيط الخارجي أي الحرية المحروسة و الإختبار القضائي و هي المعروفة بالتدابير القضائية و في بعض الدول يطلق صراح المحكوم عليه و تفرض عليه بعض الإلتزمات الصباحية أو المسائية للتعاون مع الشرطة في مجال مكافحة الجريمة.

ثالثا: رد فعل الإجتماعي: حينما يتفاقم الأمر، يصعب علاجه، و من ثم نقول ان هذه الظاهرة أو المشكلة أصبح القائمين على تسيير أمور الدولة لا يسيطرون على الوضع و هذا في حد ذاته يشكل خطرا يهدد وجود مؤسسات الدولة و عليه يظهر رد فعل الجماهير حسب وجهات الرأي سواء بخلفيات من سلبيات في الماضي أو اعتمادا على حلول مقبولة دوليا أو نتائج لدراسات عملية و يظهر هذا في النقاط التالية:

1)ـ عدم التسامح مع الإنسان المجرم حسب التقسيم الإجتماعي              و السيكولوجي للأفراد.

أ ـ الإنسان في المنظور الإجتماعي: فئة لا تقترف الجريمة سواء خفت العقوبة أو تشددت و يصطلح عليه المصلح و قد ورد في معنى الحديث في كل مائة سنة يبعث الله علما يحي أمور الدين المهجورة.

و فئة تقبل على الجريمة سواء خفت العقوبة أم قست و هذا هو المجرم الحقيقي و فئة مترددة لا تقبل على الجريمة و ان كانت تراودها أحلام الكسب فإذا خفت العقوبة أجرمت لأن الغنم أكثر من الغرم و ان قست ابتعدت عنها لأنها غير مجلبة للفائدة في مسار الحياة اليومية.

ب ـ المجرم في المنظور السيكولوجي: يصنف كما يلي:
الفئة الأولى: الخطرون حيث يعتبرون الإجرام مورد رزق و مصدر عيش.

الفئة الثانية: الغير الخطرين و هم الذين يرتكبون الجريمة عند الحاجة. أو لإحساسهم بالمساس بكرامتهم.

الفئة الثالثة: و هم المرضى الحقيقيين مثل المجانين و ذوي العاهات العقلية و المتمارضين بسبب الإدمان على مادة مسكرة أو مخدرة.

2)ـ تقييم أسلوب مواجهة الجريمة: بالنظر إلى:
أ ـ الواجهة التشريعية: إذ كلما ظهرت اشكالا جديدة في الإجرام تسارع إلى توسيع نصوص التجريم بمواد أو فقرات و حتى قوانين خاصة من غير غربلة النظرة التشريعية أو تصورات واقعية ذلك لأن زيادة التشريعيات قد يطغي على مجالات الإباحة مما يقوي سولجان السلطة على أهداف انسانية و روحية.

ب ـ اجتماعيا: الفروض المؤكدة لحماية نمط اجتماعي و مصالحه يرفض قاعدة التغيير الإجتماعي المستمر داخليا و خارجيا و ذلك لأن التغيير يؤكد ان استقرار مشاعر الجماعات أمر غير وارد في كل عقبات الحضارة الإنسانية        و المعتقدات الدينية.

ج ـ عدليا: التطبيق الآلي للنصوص ينكر حماية انسانية الإنسان التي تتطلب مواجهة المشكلات الواقعية بالحلول لا بالردع و يجب العمل على إزالة المفاضلة بين الجماهير لأن التباين ينمي الصراع بين الطوائف الإجتماعية و ابعد من هذا فالإرادة الدولية تعترف بوجوبية الرعاية أكثر من الفساد اللاحقة للمجرمين بعد تنفيذ العقوبة عليهم و الأشد بعد أن الإنسان ميال إلى التوبة.
3)- المراقبة الشعبية للعدالة الجنائية: و هذا يؤكد توسيع نطاق نظام الجلسات لإشراك المجتمع في توبيخ المجرم و الإطمئنان إلى حياد العدالة و ابعد من هذا إدماج المواطنين في محاكمة المجرم دوريا في عدد المحلفين و على جميع المستويات فالحقيقة القانونية ليست حكرا على المختصين و المثقفين و المهنيين.

4)- تحديد نظام التعويضات: بالنظر إلى الضحية المباشرة و المتضرر من أثار الجريمة و التعامل مع الشهود باعتبارهم ضحايا بحسب المآل و عليه يجب ادراج حقوقهم في الحكم و حل مشاكلهم بالتدريج الأولوي بداية من الحصول على التعويضات الأولية و المساعدات المالية العاجلة يليها تقديم الخدمات الطبية         و التربوية و النفسية و تصنيف الضحايا من ذوي الأولوية في المزايا. التي تقدمها الدولة مثلا المعطوبين و الكوارث و كل استفادة قانونية موجهة للمتهم يقابلها تعويض للمجني عليه و التعويض الذي تقدره المحكمة بعد مطالبته من الضحية يجب تحديد الحد الأدنى بمتوسط النسبة و ما فوق و على الدولة ان تقدم دعم سنوى من ميزانياتها و تحسب نفقات التعويض في مقدار المعاش و الضمان الاجتماعي     و هذا قصد إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الجريمة.