النظرية العامة للمسؤولية المدنية

النظرية العامة للمسؤولية المدنية


       تنقسم المسؤولية المدنية إلى مسؤولية تقصيرية تترتب بحكم القانون و مسؤولية عقدية تترتب على الإخلال بالتزام ناشىء عن العقد.

أولا: المسؤولية العقدية:
       فالمسؤولية العقدية هي التي تترتب على الإخلال بالتزام مترتب على عقد صحيح، أي أنه يشترط لقيامها الشروط الآتية:

       1- أن يرتبط الدائن و المدين بعقد صحيح.
       2- أن يخل المدين بالتزام ناشىء مباشرة عن العقد.
       3- أن يترتب على هذا الإخلال ضرر للدائن أو لخلفه العام.

       1- قيام عقد صحيح: صحة العقد نعني بها إستفاءه لأركان و شروط إنعقاده كاملة، و هنا نفرق بين مرحلتين ـ مرحلة ما قبل قيام العقد ـ و مرحلة بعد إنحلال العقد.

       أ)- قبل قيام العقد: و هي مرحلة المفاوضات بين طرفين لإبرام عقد فإذا وعد شخص طرف آخر و إلتزم بإرادته المنفردة بالبقاء على وعده لمدة معينة، هنا طالما لم يعلن الطرف الآخر رغبته في التعاقد يكون الوعد ملزم طوال تلك المدة.   و إذا أخل بوعده  و أصيب الموعود له ضررا كنا لهذا الأخير أن يلزمه بالتعويض و يرجع ذلك إلى كون الوعد عقد تمهيدي لإتمام عقد نهائي.

       ب)- بعد إنحلال العقد: يجب أن يتم الإخلال خلال سريان العقد. و من جهة أخرى لا بد أن يكون العقد صحيحا لأنه لو كان باطلا يكون في حكم العدم في يوم قيامه و المسؤولية الناشئة عنه مسؤولية تقصيرية.

       2- أن ينشأ الضرر عن عدم تنفيذ الإلتزام العقدي أو الإخلال به: فإذا كان هناك عقد صحيح و نشأ ضرر لأحدهما بسبب عدم تنفيذ الإلتزام العقدي لا تكون هنا أمام مسؤولية عقدية و إنما تقصيرية. مثاله: مؤجر يتناقش مع مستؤجر في عقد الإيجار فيحتد عليه هذا الأخير فيتعدى عليه، الضرر هنا قد حدث بسبب المناقشة حول العقد و ليس من الإخلال بإلتزام مترتب على العقد.

       3- أن يكون من أصابه الضرر أحد المتعاقدين أو خلفا عاما له:
       فإذا كان غريبا عن العقد و حدث له ضرر من الإخلال بالتزام عقدي فالمسؤولية تقصيرية.

       هذه الشروط الثلاثة: إذا توافرت كانت المسؤولية عقدية لكن هل يجوز العدول عن المسؤولية العقدية و التمسك بالمسؤولية التقصيرية بالرغم من توافر شروط المسؤولية العقدية ؟ و يشير هذا التساؤل ما يسمى في الفقه و القضاء بالخيرة بين المسؤوليتين.
               
و قد إنقسم الفقه و القضاء بل و التشريع إلى مذهبين: أحدهما يجيز الخيرة    و الثاني لا يجيزها، و سنتعرض لهذين المذهبين بإختصار:

أ)- المذهب الذي يجيز الخيرة: يستند هذا المذهب إلى عدة حجج أهمها:

- المسؤولية التقصيرية هي الأصل العام و المسؤولية العقدية الإسناد         و للمتعاقدين التنازل عن الإستناد.

- المسؤولية التقصيرية موجودة قبل العقد و تسري أحكامها قبل المتعاقدين قبل التعاقد.

- المواد الواردة في القانون 124 ق م ج ، 168 ق م ج وردت عامة بحيث يفهم منها أنها تطبق على الجميع.

ب)- المذهب الرافض للخيرة: من حججه:
- العقد شريعة المتعاقدين.
- جواز الخيرة بين المسؤوليتين فيه ظلم للمتعاقدين.
- القانون فصل بين المسؤوليتين إذ وضع كل مسؤولية موضع خاص بها.

و على العموم يمكننا أن نتخذ موقف خاص يتمثل في إحازتنا للخيرة بين المسؤوليتين و هذا وفق الأوضاع التالية:

- قد يختار الطرفان صراحة إخضاع مسؤوليتهما إلى أحكام المسؤولية التقصيرية و حرمانهما من ذلك يعني التعدي على مبدأ سلطان الإرادة و مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.

- المسؤولية التقصيرية ضمن النظام العام فلا يجوز الإتفاق على خلافها..

و على العموم رجوع المتعاقدين إلى المسؤولية التقصيرية فيه مصلحة لهما في عدة حالات أهمها:
- من مصلحة المضرور اللجوء إلى المسؤولية التقصيرية إذا تعدد المسؤولون لكي يطالب كل منهم بالتعويض المادة 126 ق م ج.

- من مصلحة المضرور عقديا أن يختار المسؤولية التقصيرية ليطالب بالتعويض عما أصابه في ضرر دون حاجة إلى إعذار المدين في حين لا يستطيع فعل ذلك في إطار المسؤولية العقدية.

يترتب على إختيار المضرور عقديا للمسؤولية التقصيرية دون العقدية أنه إذا خسر دعواه التي رفعها على أساس المسؤولية العقدية يجوز له أن يرفع دعوى جديدة على أساس المسؤولية التقصيرية دون أن يحتج عليه بحجية الحكم السابق في المسؤولية العقدية.

ثانيا: المسؤولية التقصيرية: هي التي يرتبها القانون على الإخلال بإلتزام قانوني مقتضاه ألا يضر الإنسان غيره بخطأ أو تقصير منه، إذن فهي تقوم على ثلاثة أركان:
- خطأ من المسؤول.
- ضرر يصيب الغير.
- علاقة سببية بينهما.

قد يحدث الشخص ضررا آخر، نتيجة تقصير منه، كأن يتلف ما لا لأحد الأشخاص، هنا يكون هذا الشخص مسؤولا عما يحدثه في أضرار في مواجهة الشخص المضرور عن طريق تعويض هذا الضرر المسؤولية عن الأعمال الشخصية كما قد يسأل الشخص عن الأفعال الضارة التي تصدر من الذين تربطهم به علاقة تبعية المسؤولية عن عمل الغير -. و إذا كان الشخص متوليا حراسة شيء من الأشياء و كانت له قدرة الإستعمال و التسيير و الرقابة لهذا الشيء فإنه يكون مسؤولا عن كل الأضرار التي تترتب عن هذا الشيء مسؤولية الناشئة عن الأشياء -.

       و عليه سنحصر دراستنا للمسؤولية التقصيرية " بالتعرض إلى أركانها       و أنواعها المعروفة في القانون المدني الجزائري و قبل أن نتعرض إلى دراسة هذه العناصر بالتفصيل لا بد من الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد نظم الأحكام الخاصة بالمسؤولية التقصيرية في المواد من 124 إلى 140 ق م ج ، و قد أقامها على أساس الخطأ تطبيقا لنص المادة 124 ق م ج منه و إن كانت كلمة خطأ سقطت في النص العربي إلا أن النص الفرنسي أورد هذه الكلمة LA FAUTE.
               
        فالمسؤولية التقصيرية تشمل كل من المسؤولية عن الأعمال الشخصية المسؤولية عن أعمال الغير  المسؤولية عن الأشياء.

       I)- شروط قيام المسؤولية عن الأعمال الشخصية: لقيام المسؤولية عن الأعمال الشخصية لا بد من توافر مجموعة من الأركان و هي تتمثل في الخطأ   LA FAUTE الضرر LE PREJUDICE و العلاقة السببية LE LIEU DE CAUSALITE

       1- الخطأ: هناك من عرف الخطأ بأنه عمل ضار مخالف للقانون و هناك من عرفه بأنه إخلال بالتزام قانوني سابق، أما التعريف الذي إستقر عليه الفقه      و القضاء فهو الإنحراف عن سلوك الرجل المعتاد مع إدراك الشخص لذلك و هو يشمل عنصرين، عنصر مادي و المتمثل في التعدي و هو الإنحراف عن السلوك العادي الذي رسمه القانون و هناك عنصر معنوي و المقصود به الإدراك أي الإنحراف عن السلوك مع إدراك هذا الإنحراف ، غير أنه إذا وقع الضرر من شخص غير مميز و لم يكن هناك مسؤول عنه جاز للقاضي أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل تطبيقا للمادة 125 ق م ج.

       و للخطأ صور: هناك الخطأ العمدي و هو حينما يريد فاعله الإنحراف       و يقصد نتيجة الفعل و هناك الخطأ غير العمدي و هو إنحراف في السلوك دون قصد من صاحبه في إحداث نتيجة. فالمسؤولية المدنية تترتب في الحالتين فلا فرق بين الخطأ العمدي و الخطأ بإهمال.

       2- الضرر: هناك قاعدة في فقه تقضي بأن لا مسؤولية دون ضرر PAS DE RESPONSABILITE SANS PREJUDICE إن الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص نتيجة المساس بمصلحة ما مشروعة أو بحق من حقوق الشخص، هذه المصلحة إما أن تكون مصلحة مادية أو مصلحة أدبية و عليه فإن الضرر قد يكون ماديا و قد يكون ضررا أدبيا فقد يصيب الضرر الجسد و المال و هو ما يعرف بالضرر المادي و قد يصيب الضرر سمعة الإنسان أو شرفه أو عاطفته و هو ما يعرف بالضرر المعنوي. و قد وقع خلاف كبير حول الأخذ  أو عدم الأخذ بفكرة الضرر المعنوي     و لم يورد نص في النصوص العربية فإن السؤال الذي نطرحه هنا هل سكوت المشرع الجزائري عن تنظيم الضرر المعنوي دليل على أنه لم يأخذ به، بالرجوع للمادة 131 ق م ج التي تحيل على المادة 182 ق م ج فإن تقرير التعويض يتم بإعتماد معيار ما لحق الدائن من خسارة و ما فاته من كسب و إذا كان البعض قد نقد هذا الإتجاه على أساس أن هذا لا يقتصر فقط على الضرر المادي فقد يتسبب شخص في نشر إشاعة كاذبة عن تاجر فيؤدي ذلك إلى تعطيل تجارته و عليه فإن هذا يفوت عليه كسب كبير، و عليه فقد إنتهج القضاء الجزائري مسلك الأخذ بالتعويض عن الضرر الأدبي في العديد من القضايا التي طرحت عليه و للضرر بصفة عامة أقسام.

                أقسام الضرر: الضرر المباشر و الضرر غير مباشر، الضرر المتوقع        و الغير المتوقع، و هناك الضرر الحال و الضرر المستقبلي، و ضرر موروت      و ضرر مرتد.

الضرر المباشر و الضرر غير المباشر: ورد تعريف الضرر المباشر في المادة 182 ق م ج فالضرر المباشر هو نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالإلتزام أو التأخير في الوفاء به و هو نتيجة طبيعية إذا لم يكن في إستطاعة الدائن أن يتوفاه ببذل جهد معقول كشراء يقوم موبوءة تتسبب بموت باقي الحيوانات -، السبب الغير مباشر مثلا: إعسار الفلاح الذي إشترى البقرة الموبوءة التي تسببت في موت باقي الحيوانات و بالتالي عدم إمكانيته حرث أرضه و بالتالي عدم إمكانية سداد الديوان.

       القدر المتوقع و الضرر غير المتوقع: معيار الضرر المتوقع و غير المتوقع هو معيار توقع الرجل المعتاد.

       و يكون الضرر غير متوقع في سببه أو مقداره و مداه أو بفعل الدائن سواء كان هذا الفعل خاطئ أو غير خاطئ.

       الضرر الحال و الضرر المستقبلي:
       - الضرر الحال: هو الضرر الذي ثبت حدوثه فعلا على أثر وقوع الفعل الضار أو أصبح محققا و يقدر القاضي التعويض عنه بما لحق المتضرر في خسارة   و ما فاته من كسب.

       - الضرر المستقبلي: و هو الذي سوف يقع بعد وقوع الفعل الضار أي تحقق سببه عند وقوع الفعل الضار و لكن آثاره لم تتحقق إلا بعد ذلك مثاله العامل الذي يصاب بعاهة مستديمة فالتعويض يشمل ما سوف يترتب عن هذه العاهة من حرمانه مما كان سوف يكسبه من عمله مستقبلا.

       الضرر الموروث و الضرر المرتد:
       الضرر الموروث: هو الضرر الذي ينتقل من السلف إلى الخلف.

       الضرر المرتد: الضرر الذي يصيب الخلف شخصيا بسبب الضرر الذي أصاب السلف.


3- العلاقة السببية: يجب أن تتوفر بين الفعل الضار و الضرر علاقة السببية أي أن يكون الضرر ترتب كنتيجة مباشرة للفعل الضار "الخطأ"، و فيما يخص تحديد العلاقة السببية هناك ثلاثة نظريات فقهية:

       أ) - نظرية تكافؤ الأسباب: طبقا لهذه النظرية يؤخذ في الإعتبار كل فعل ساهم في إحداث الضرر أي كل سبب مهما كان بعيدا لكنه يكفي أنه ساهم في وقوع الضرر.

       ب) نظرية السبب الفعال ( المنتج): مفاد هذه النظرية لا يؤخذ بعين الإعتبار إلا السبب الفعال و هو السبب الذي لعب دورا أساسيا في إحداث الضرر.

       ج)- نظرية السبب المباشر: مفاد هذه النظرية أنه لا يؤخذ بعين الإعتبار بصدد العلاقة السببية إلا السبب المباشر أي القريب، و هي قرينة من نظرية السبب الفعال.

       فالملاحظ أن أغلب الفقه العربي و الفرنسي الذي تأثر به الفقه الجزائري أنه إتجه إلى الأخذ بنظرية السبب المنتج، بذلك نجد المشرع الجزائري نص على هذا الإتجاه في المادة 182 ق م ج التي نصت على الضرر الذي يكون نتيجة طبيعية لعدم تنفيذ الإلتزام.

       إثبات العلاقة السببية: تطبيقا للقاعدة العامة، على من يدعي أن ما أصابه من ضرر كان الفعل الضار هو السبب في حدوثه أن يثبت ذلك البينة على من إدعى-.

ففي المسؤولية عن الأفعال الشخصية على المضرور أن يثبت الفعل الضار و الضرر و العلاقة السببية بينهما، و في المسؤولية عن فعل الغير متى أثبت المضرور أن ضررا قد أصابه بفعل الموضوع تحت الرقابة قامت مسؤولية الرقيب فلا يستطيع نفيها عن نفسه الا بإثبات السبب الأجنبي.



       ما هو السبب الأجنبي: تطبيقا للمادة 127 ق م ج ان السبب الأجنبي هو القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ أو خطأ الغير، و الفرق بين القوة القاهرة و الحدث المفاجئ هو أن القوة القاهرة هي التي يستحيل دفعها إستحالة مطلقة أما الحادث المفاجئ هو الذي يستحيل دفعه إستحالة نسبية.

حالات إنعدام المسؤولية: لقد أورد المشرع الجزائري ثلاث حالات في تحقيقها تؤدي إلى إنعدام المسؤولية ببعض الشروط أو تخفف:

       1- حالة الدفاع الشرعي: نصت المادة 128 ق م ج على ما يلي" من أحدث ضررا و هو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن ماله أو عن نفس الغير أو ماله، كان غير مسؤول على ألا يجاوز في دفاعه القدر الضروري، و عند الإقتضاء يلزم بتعويض يحدده القاضي".

       2- حالة إطاعة أوامر رئيس تجب إطاعته: نصت المادة 129 ق م ج على ما يلي:" لا يكون الموظفون و العمال العامون مسؤولين شخصيا عن أعمالهم التي اضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت إليهم من الرئيس متى إطاعة هذه الأوامر واجبة عليهم".
               
3- حالة الضرورة: تنص المادة 130 ق م ج على ما يلي" من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا".

       II )- المسؤولية عن فعل الغير: نص المشرع الجزائري عن المسؤولية عن فعل الغير في المواد 134 إلى 137 ق م ج، و هي نوعين، مسؤولية المكلف بالرقابة و مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع لذلك سنحاول التعرض إلى كلا نوعي المسؤولية عن فعل الغير.

       1- مسؤولية المكلف بالرقابة: مسؤولية المكلف بالرقابة هي مسؤولية يفترض فيها أن شخصا يتولى قانونا أو بمقتضى إتفاق رقابة شخص أخر يحتاج إلى هذه الرقابة، فيصدر عن هذا الأخير فعل يضر بالغير. ففي هذه الحالة يلتزم المكلف بالرقابة بالتعويض للمضرور و لا يستطيع المكلف بالرقابة أن يعفي نفسه من هذه المسؤولية إلا إذا أثبت أنه قد قام بواجبه في الرقابة. أو أن الضرر كان سيقع حتما حتى و لو قام بواجب الرقابة و قد نص عليها المشرع الجزائري في المادة 134 ق م ج.

       أ)- شروط تحقيق مسؤولية متولي الرقابة:
       الشرط الأول: الإلتزام بالرقابة: لكي تقوم هذه المسؤولية يجب أن يلتزم شخص برقابة شخص أخر و قد يكون مصدر هذه الرقابة القانون كما هو الحال بالنسبة للأب، لأنه ملزم قانونيا برقابة إبنه و قد يكون مصدره الإتفاق كمدير مستشفى مثلا، و لم يحدد المشرع الأشخاص الذين ينشأ الإلتزام برقابتهم. لكنه حدد الحالات التي تدعو نشأة الإلتزام بهذه الرقابة و هي:

       1- الرقابة على القاصر: القاصر يمر بمرحلتين: مرحلة قبل بلوغه سن 15 سنة إذ يحتاج فيها القاصر إلى وقاية حتمية و يتولاها الأب، فإن لم يوجد الأب تنتقل إلى الأم المادة 135 ق م ج ، أما بعد بلوغه سن 15 سنة فهنا نفرق بين حالتين، بلوغه 15 سنة و بقائه في كنف القائم على تربيته فهنا يستمر الإلتزام بالرقابة قائما إلى غاية سن الرشد و هو السن 21 سنة، أما إذا بلغ هذا السن و يستقل في معيشته فإنه ينقضي الإلتزام بالرقابة و الرقابة على القاصر، في مرحلة التعليم تنتقل إلى المعلم و إذا كان يتعلم حرفة تنتقل إلى معلم الحرفة أثناء تلك الفترة.


       2- الرقابة بسبب العاهة العقلية أو الجسمية: فقد يعترى الشخص مرض عقلي أو جسمي مما تجعله هذه الحالة في حاجة إلى من يراقبه كأن يصاب الشخص بجنون أو شلل أو فقد البصر، فهنا تعود الرقابة إلى الولي عليه.

       الشرط الثاني:
       صدور عمل غير مشروع: يجب أن يصدر من الشخص الخاضع للرقابة فعلا غير مشروع يصيب الغير و عليه فإذا تحققت مسؤولية الخاضع للمراقبة قامت بجانبها مسؤولية متولي الرقابة على أساس، إما الإهمال في الرقابة أو سوء التربية و التأديب فإن مسؤولية متولي الرقابة لا تقوم إلا إذا وقع العمل غير المشروع من الخاضع للرقابة، فإذا كان هذا الأخير هو المضرور فلن تقوم المسؤولية.

       ب)- أساس مسؤولية الرقابة: تقوم هذه المسؤولية على فكرة الخطأ المفترض في جانبه، فإذا صدر من الخاضع للرقابة فعلا أضر بالغير فإنه يفترض أن متولي الرقابة قد قصر في واجب الرقابة أو أساء تربيته. و عليه فإن المضرور غير ملزم بإقامته العلاقة السببية بين الفعل و الضرر لأنها مفترضة، لكن المكلف بالرقابة يمكنه أن يعفي نفسه من المسؤولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة بما ينبغي من عناية و لم يقصر في واجب التربية فهنا نكون بصدد نفي الخطأ. أما فيما يخص نفي علاقة السببية فهي بدورها مفترضة و عليه يمكن له أن يثبت قيام السبب الأجنبي كالقوة القاهرة أو فعل الغير و فعل المضرور نفسه.

       و لقد نص المشرع على أساس هذه المسؤولية في المادة 135 ق م ج التي تقضي بأن هذه المسؤولية تقوم على الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس.

       2)- مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع: تنص المادة 136 ق م ج على أنه " يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقع منه في حالة تأدية وظيفته أو بسببها".

       أ)- شروط تحقق مسؤولية المتبوع: من خلال المادة 136 ق م ج لا بد من توافر شرطين لقيام هذه المسؤولية:

       الشرط الأول: قيام رابطة التبعية:        المقصود بذلك ضرورة وجود رابطة التبعية بين شخصين أحدهما متبوع و الآخر تابع أي السلطة الفعلية في رقابة التوجيه و هي تتطلب توافر ثلاثة عناصر:
       1- قيام سلطة رقابة التوجيه.
       2- أساس السلطة هو عمل معين.
       3- قيام التابع بهذا العمل لحساب المتبوع.
               
       و لا يشترط في رابطة التبعية أن يكون المتبوع حرا في إختيار التابع مثال على ذلك جنود الجيش التابعين لوزارة الدفاع فإختيارهم يتم عن طريق الإقتراع العام، و مضمون رابطة التبعية أن يكون للمتبوع سلطة فعلية في توجيه التابع في عمل معين و إصدار الأوامر إليه و سلطة رقابة تنفيذ هذه الأوامر.

       الشرط الثاني: خطأ التابع في حالة تأدية الوظيفة أو بسببها: لا يكفي صدور خطأ من التابع، بل لا بد أن يسبب ضررا يتطلب التعويض و لا بد أيضا أن يقع الخطأ في حالة تأدية الوظيفة أو بسببها.

       1- خطأ أثناء تأدية الوظيفة: إن خطأ المرتكب أثناء الوظيفة هو الخطأ الذي يرتكبه و هو يقوم بعمل من أعمال وظيفته بغض النظر عن ظرف الزمان و المكان كأن يصطدم التابع شخصا و هو يقود سيارة متبوعه لينقله إلى محل عمله، أو كإطلاق شرطي عيارا ناريا على متهم كلف بالقبض عليه.

       2- خطأ التابع بسبب الوظيفة: و من أمثلة ذلك أن يقوم شرطي بزيارة لبعض أقاربه و أثناء الزيارة يعبث بمسدسه فيتسبب في مقتل أحد هؤلاء الأقارب أو أن يقوم خادم بمساعدة سيدة بسبب شجار بينها و بين آخر فيؤدي إلى مقتله فهنا الوظيفة كانت ضرورية لوقوع الخطأ من التابع و مساءلة المتبوع، إذن الخطأ بسبب الوظيفة يتحقق حينما تكون هذه الأخيرة ضرورية و تتصل إتصال العلة بالمعلول فلولا الوظيفة لما أرتكب الخطأ.

ب)- أساس مسؤولية المتبوع: إختلفت الأراء في تحديد مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه فهناك من أقامها على أساس الخطأ المفترض في جانب المتبوع    و هو خطأ في إختيار تابعه و رقابته، و هناك من أقامها على أساس تحمل التبعة     و مفاد ذلك أن المتبوع يستفيد من خدمات تابعه و عليه فلا بد أن يتحمل الأضرار الناجمة عنه أي تطبيق قاعدة الغرم بالغنم، مما يدفعنا إلى القول أن مسؤولية المتبوع هي مسؤولية شخصية و هناك رأي ذهب إلى القول بأنها مسؤولية عن فعل الغير   و عليه فقد إختلفوا في تحديد أساسها فمنهم من قاسها بفكرة النيابة القانونية بإعتبار التابع نائب عن المتبوع إلا أن عمل التابع هو عمل مادي و غير قانوني و هناك من أسسها على فكرة الضمان و الكفالة، و المشرع الجزائري أخذ بهذا الرأي الأخير أي أسسها على فكرة الضمان، هذا ما نصت عليه المادة 137 ق م ج حيث تقضي بأن المسؤول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسؤولا عن تعويض الضرر  و هذا دليل على أن مسؤولية المتبوع عن عمل تابعه غير المشروع هي مسؤولية تبعية مقررة بحكم القانون لمصلحة المضرور تقوم على فكرة الضمان القانوني.

III )- المسؤولية عن الأشياء: لقد نص عليها المشرع الجزائري في المادتين 138 و 139 ق م ج، و هي تنقسم إلى ثلاثة أنواع: مسؤولية حارس الأشياء، مسؤولية حارس الحيوان، و مسؤولية عن البناء.

أولا: مسؤولية حارس الأشياء (غير الحية): تنص المادة 138 على أنه كل من تولى حراسة شيء و كانت له عليه سلطة الإستعمال و التسيير و الرقابة فإنه مسؤول عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء.

       1)- شروط مسؤولية حارس الأشياء: يتضح من خلال المادة 138 ق م ج ان هناك شرطان لتحقيق مسؤولية حارس الأشياء و هما :

       الشرط الأول: وجود شيء في حراسة الشخص: يقصد بالشيء هنا الأشياء غير الحية بصريح نص المادة الشيء " الحي " الحيوان " الذي تضمنته المادة 139 ق م ج ، و كذلك البناء حيث تضمنته المادة 140 ق م ج و يعتبر من الأشياء غير الحية الأدوات الطبية، المواد المتفجرة، الأسلحة، الأسلاك الكهربائية، أما الحراسة فيقصد بها هنا السيطرة الفعلية على الشيء و التصرف فيه في الإستعمال و التوجيه و الرقابة لحساب نفسه و غالبا ما يكون الحارس هو مالك الشيء.

       الشرط الثاني: تسبب الشيء في حدوث الضرر: ينبغي أن يكون الضرر قد نتج عن التدخل الإيجابي للشيء و القاعدة أن الشيء لا يكون قد تدخل تدخلا إيجابيا إلا إذا كان في وضع شاذ أي " غير عادي " كسيارة تكون في عرض الطرق نهارا.


       2)- أساس مسؤولية حارس الأشياء:
       أساس مسؤولية حارس الأشياء هو الخطأ المفترض و ليس تحمل التبعة      و يترتب على ذلك نتيجتان :

       1- يجب أن يتوفر عنصر التمييز.
       2- المسؤول يستطيع نفي مسؤوليته إذا أثبت الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة أو الخطأ في الحراسة FAUTE DANS LA GARDE.

       ثانيا: المسؤولية عن الحيوان: تنص المادة 139 ق م  ج  " حارس الحيوان و لو لم يكن مالكا له مسؤول عما يحدثه الحيوان " فهذه الحالة تفترض أن شخصا يتولى حراسة حيوان من أي نوع و هذا الحيوان يحدث ضررا للغير فيكون حارس الحيوان في هذه الحالة مسؤولا عن تعويض الضرر و المقصود بالحيوان كل كائن حي عدى الإنسان و النبات بحيث يكون مملوكا لأحد من الناس.

       شروط المسؤولية عن الحيوان:
       1- يشترط أن يكون الحيوان حيا و أن يكون في حراسة أحد الأشخاص.

       2- يشترط أيضا قيام الضرر نتيجة للتدخل الإيجابي مثال على ذلك هروب حيوان مفترس من حيازة مالكه ثم قيامه بإصابة أحد المارة بالذعر مما يؤدي إلى إغماءه فهنا ضرر ناتج عن فعل الحيوان، و يقصد بالحراسة في هذه المسؤولية السيطرة الفعلية على الحيوان  فلا يشترط أن تستند إلى عقد أو عمل مشروع . فأساس مسؤولية حارس الحيوان هو الخطأ في الحراسة LA FAURE DANS LA GARDE و هو خطأ مفترض لا يكلف المضرور بإثباته ، فيكفيه إثبات الضرر و أنه نشأ عن فعل الحيوان و عليه يفترض الخطأ في جانب الحارس.

       ثالثا: المسؤولية عن تهديم البناء: تنص المادة 140 ق م ج على ما يلي:   " من كان حائزا بأي وجه كان لعقار أو جزء منه أو منقولات حدث فيها حريق لا يكون مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي سببها هذا الحريق إلا إذا أثبت أن الحريق ينسب إلى خطئه أو خطأ من هو مسؤول منه".

       فالأساس في النص هو حيازة البناء أو جزء منه سواء كان مالكا أو غير مالك و كذلك المنقولات، و الحائز قد يكون مستأجرا أو مستعيرا أو مودعا لديه وهنا يلزم القانون المضرور من نتائج الحريق أن يثبت خطأ حائز العقار أو المنقول،     و الحيازة لا يشترط هنا أن تكون مشروعة أو غير مشروعة كحالة سارق المنقول أو مغتصب العقار.

       غير أن الحريق الذي ينشب في عقار مستأجر يكون هذا الأخير مسؤولا عن الأضرار التي يسببها هذا الحريق و يفترض خطؤه إفتراضا غير قابل لإثبات العكس.

       أما مالك البناء فإنه يفترض في هذه الحالة أنه تهدم جزئيا مسببا ضررا للغير فهنا يكون مسؤولا عن تعويض الضرر الذي أصاب الغير من تهدم البناء و لا يستطيع مالك البناء التخلص من المسؤولية إلا إذا أثبت أن الهدم لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.
      
       و عليه المسؤولية عن تهديم البناء قائمة على خطأ مفترض قابل لإثبات العكس.