العــقـــد

العــقـــد


ذكرنا فيما سبق أن أهم مصادر الإلتزامات هو العقد و قد خصه المشرع الجزائري بسبعين (70) مادة لذلك سنحاول التعرض إلى أهم العناصر في دراسة العقد إنطلاقا من التعريف. مرورا بأركانه التي يقوم عليها وصولا إلى الأثار المترتبة عن العقد كمصدر اللإلتزام و أخيرا تتعرض إلى المسؤولية المترتبة عن الإخلال به ( المسؤولية العقدية).

أولا: تعريف العقد: العقد لغة كلمة تفيد " الربط بين أطراف الشيء و جمعها و أما بين الكلامين يراد به العقد " و العقد كمصطلح قانوني فقد عرفته المادة 54 ق م. " العقد إتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما"   و هو التعريف المأخوذ عن المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي إلا أنه سقطت منه عبارة نحو شخص و هي عبارة مهمة في تعريف العقد و عليه يكون التعريف الصحيح كالتالي:

" العقد إتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل و عدم فعل شيء ما " و من خلال هذا التعريف يمكن تحديد أهم عناصر العقد:

01- وجود إتفاق: المقصود بالإتفاق هو إتخاذ وجهة نظر أشخاص تجاه أمر معين إذ لا بد من وجود شخصين مستقلين عن بعضهما البعض و هذا العنصر هو الذي يمكننا من التمييز بين العقد و التصرف من جانب واحد كالوصية أو الوعد بجائزة. كما يجب أن يكون أطراف العقد متساوين قانونيا و تكون لهم مصالح متباينة ( تعارض المصالح لا يعني وجود نزاع كمصلحة البائع و مصلحة المشتري - )، كما أنه يعد تطابق الإرادتين معيارا للعقد و هو عنصره الأساسي.

02- إنشاء آثار قانونية: فالغرض من العقد هو إحداث آثار قانونية أي غايته هي إيجاد وضع جديد يرتب حقوقا و واجبات لم يكتسبها و لم يتحملها المتعاقدين من قبل أو ينهي حقوق أو واجبات سابقة. و إذا لم يهدف الإتفاق إلى إحداث مثل هذه الآثار فلا يعد عقدا (كدعوة شخص لحضور مأدبة عشاء هنا الإستجابة للدعوة تكون من باب المجاملة فقط ). فالإتفاق لا بد أن يغير في الوضعية القانونية للمتعاقدين ( كالبائع الذي يصبح دائنا لثمن المبيع و المدين مدينا بدفع الثمن).

و نشير أيضا أن الأثار القانونية تختلف بإختلاف العقود، و قد تتعدى هذه الآثار مجرد إكتساب الحقوق و تحمل الإلتزامات فعقد الشركة مثلا يترتب عليه إنشاء الشخصية المعنوية للشركة وفقا للمادة 417 ق م ج.

أساس إنشاء الإلتزامات في العقود:
مبدأ سلطان الإرادة: يذهب أنصار مبدأ سلطان الإدارة، إلى أن الإرادة الحرة هي أساس كل إتفاق فهي العنصر الجوهري في تكوين العقد و في تحديد الآثار التي تترتب عليه كيفما يريد أطراف العقد مادامت هذه الإرادة لم تخرج في ذلك عن أمر القانون و نواهيه.

و عليه أساس العقد هو الإرادة المشتركة لطرفيها، فهذه الإرادة هي التي تنشئ الإلتزام في الذهن، و هي التي تحدد آثاره كقاعدة عامة و من خلال ذلك يتضح لنا أمران:

1- إن للإرادة سلطان ذاتي فهي وحدها كافية لإنشاء العقد أو التصرف القانوني بوجه عام .
2- إن الإرادة حرة في تحديد الآثار التي تترتب على العقد و التصرف القانوني.

لكن تطور المجتمع خاصة في المجالين الإقتصادي و الإجتماعي أظهر نقائص المذهب الفردي ( مبدأ سلطان الإرادة) و يتجلى هذا التطور بصفة عامة في:

- تطور وظيفة الدولة التي أصبحت تتدخل في الميدان الإقتصادي و تتحكم في تسييره و توجيهه من جهة، و من جهة أخرى تكفلها بحماية الفئة الضعيفة إجتماعيا و إقتصاديا و عليه تأثرت نظرية العقد من هذه المهام الجديدة للدولة.      و في هذه القواعد مثلا تدخل القاضي لمراقبة شروط العقد مراجعة العقد في بعض الحالات من قبل القاضي.

- فرض بعض الشكليات لمراقبة المعاملات.

- الحد من الحرية التعاقدية بطرق مختلفة، مثل التعاقد الإجباري أو فرض بعقد أحكامه.

ملاحظة: يمكن القول بالنسبة للمشرع الجزائري أنه أدرج العديد من هذه الأحكام الجديدة في التقنين المذكورة أعلاه و الذي يقي متمسكا بالتقسيم التقليدي للعقود (أنظر المواد:  85 104 105 107 / 2 110 112 / 2 ق م ج ).

       I )- أقسام العقود: هناك تقسيمان للعقود : تقسيم من وضع المشرع،       و تقسيم في وضع الفقه.

       أولا: تقسيم المشرع: إعتمد المشرع في تقسيم العقود على التقنين الفرنسي الذي يميزين:

       - العقد الملزم لجانبين، و العقد الملزم لجانب واحد - و العقد المحدد و العقد الإحتمالي عقد المعاوضه و عقد التبرع.

       1- العقود الملزم لجانبين و العقد الملزم لجانب واحد: حسب المادة 55 ق م العقد الملزم للجانبين هو ذلك العقد الذي ينشئ إلتزامات على كل من طرفيه، فيكون كل منهما دائنا و مدينا في نفس الوقت، مثال على ذلك عقد الإيجار و حيث يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الإنتفاع بالعين المؤجرة و يلتزم المستأجر بدفع الأجرة.

وفقا للمادة 56 ق م العقد الملزم لجانب واحد هو ذلك العقد الذي ينشئ التزامات على جانب واحد مثال على ذلك عقد الوديعة.

فالذي يميز العقد الملزم لجانبين عن العقد الملزم لجانب واحد هو ذلك التقابل في الإلتزامات الذي يترتب عن العقد الملزم لجانبين دون العقد الملزم لجانب واحد    و يترتب على ذلك:

- في حالة قيام أحد أطراف العقد الملزم لجانبين بتنفيذ التزامه التعاقدي كان للطرف الآخر طلب الفسخ و هذا ما لا يوجد في العقد الملزم لجانب واحد.

- يعتبر إلتزام أحد الطرفين في العقد الملزم لجانبين سبب التزام الطرف الأخر هذا ما لا يوجد في العقد الملزم لجانب واحد.

- يحق لأحد الطرفين في العقد الملزم لجانبين الدفع بعدم التنفيذ إذا لم ينفذ الطرف الآخر التزامه و هذا غير ممكن في العقود الملزمة لجانب واحد.

2- العقد المحدد و العقد الإحتمالي:
*- تعرض المشرع الجزائري للعقد المحدد المدة في الفقرة الأولى من المادة 57 ق م ج " يكون العقد تبادليا متى إلتزم أحد الطرفين بمنح، أو فعل شيء يعتبر معادلا لما يمنح، أو يفعل له الخ ". و يخلط هذا التعريف بين العقد المحدد و العقد التبادلي " الملزم لجانبين".

فالعبرة في العقد المحدد هي بعلم كل متعاقد وقت التعاقد بالمقدار الذي يعطيه        و المقدار الذي يأخذه بمقتضى هذا العقد.

و عليه فالعقد المحدد هو العقد الذي يكون فيه التزامات و حقوق المتعاقدين معنية و محددة وقت الإبرام ( كعقد البيع الذي لا ينعقد ما لم يكن المبيع و الثمن محددين ).

*- و يكون العقد إحتماليا حسب ما ورد في المادة 57 / 2 ق م: " إذا كان الشيء المعادل محتويا على حظ ربح أو خسارة لكل واحد من الطرفين، على حسب حدث غير محقق، فإن العقد يعتبر عقد غرر" فعنصر الإحتمال يعد عنصرا جوهريا فيه و إذا حدث  و أن وقع لأحد المتعاقدين في العقد الإحتمالي غبن فإن هذا الغبن لا يعطي من وقع فيه شيئا. ذلك لأن العقد الإحتمالي يقوم عادة على غبن يتحمله المتعاقدان.

3- عقد المعاوضة و عقد التبرع:
*- عرف المشرع عقد المعاوضة في المادة 58 ق م:" العقد بعوض هو الذي يلزم كل واحد من الطرفين إعطاء أو فعل شيء ما ".

و عليه عقد المعاوضة يمكننا تعريفه بأنه: ذلك العقد الذي يتحصل فيه المتعاقد على فائدة ذات قيمة مالية مقابل تنفيذ إلتزامه، بحيث لا يفتقر عند تنفيذ ما إلتزم به فالبائع مثلا لا يفتقر لأنه يتحصل على الثمن الذي يعوض ثمن المبيع.

*- أما عقد التبرع فيكون تبرعيا إذا إلتزم المتعاقد بمنح شيء أو القيام بفعل دون الحصول على مقابل ذي قيمة مالية، حيث يلتزم المدين إتجاه الدائن قصد التبرع مثال العارية المجانية عقد الهبة.

و تظهر أهمية التمييز بين عقود المعاوضة و عقود بالتبرع لإعتبارات عديدة أهمها:

- الغلط في الشخص يؤثر على صحة عقد التبرع لأن شخصيته تكون         عادة محل إعتبار على عكس عقود الاذعان.

- تكون مسؤولية المتبرع أخف من مسؤولية المعاوض ( أنظر المادة 592 ق م ج بخصوص مسؤولية المودع لديه).

ثانيا: تقسيم الفقه:
وضع الفقه عدة تصنيفات للعقود تطرق إليها من زوايا مختلفة أهمها:

1- العقود الرضائية و العقود الشكلية:
*- العقد الرضائي هو العقد الذي تكفي لإنعقاده الإرادة ، عن طريق توافق إرادة المتعاقدين و ذلك بإقتران الإيجاب و القبول. كعقد بيع المقبول.

*- العقد الشكلي: و هو العقد الذي لا تكفي الإرادة لإنعقاده و إنما يجب أن ينصب في الشكل الذي يحدده القانون له، كالهبة أو الرهن الرسمي الخ.

و الشكلية في العقد مصدرها في الأصل القانون، لكن هذا لا يمنع أن يشترط المتعاقدين الشكلية للتصرف أو التصرفات المنعقدة بينهما لا كشرط للإثبات و إنما كشرط للإنعقاد. و من العقود الشكلية عقد الرهن عقد بيع عقار.

2- العقود المسماة و الغير مسماة:
- العقد المسمى هو ذلك العقد الذي وضع له القانون إسما خاصا و يتكفل ببيان أحكامه نظر لشيوعه بين الأفراد و إنتشاره في المعاملات و هي عقود متنوعة تختلف بإختلاف الموضوع و الغرض منها. فمنها من يكون الهدف نقل الملكية لشيء كالبيع و المقايضة و الهبة و من هذه العقود ما يتعلق بالإنتفاع بالشيء كعقود الإيجار و العارية و منها ما يزد على عمل الإنسان كعقد المقاولة. و منها ما يكون غرضه إستيفاء الدائن حقه كعقد الكفالة و عقد الرهن.

- أما العقود غير المسماة فهي تلك العقود التي لم يضع لها المشرع إسما خاصا و لم ينص على القواعد التي تحكم إنعقادها و آثارها مثال ذلك العقود الذي تتعهد بموجبه دار النشر بطبع كتاب لمؤلف ما، تتولى نشره و بيعه، فالعقود غير المسمات لا يمكن تقسيمها لعدم إمكان حصرها إذ أن الإرادة حرة في إنشاء ما تشاء من العقود ما لم تخالف النظام العام و الآداب العامة.

3- العقود الفورية و العقود الزمنية: العقد الفوري هو العقد الذي تحدد فيه إلتزامات المتعاقدين بغض النظر عن وقت تنفيذها. بحيث يتم عادة تنفيذ هذه العقود فورا دفعة واحدة مثال عقد البيع ( يتسلم المشتري الجريدة ثم يدفع فورا الثمن).     و العقد الزمني: هو العقد الذي يعتبر فيه عنصر الزمن عنصرا جوهريا و أساسيا مثال ذلك عقد الإيجار.



و أهمية تقسيم العقود إلى عقود فورية و عقود زمنية تبدو كالآتي:

- من ناحية الفسخ: فسخ العقد الفوري يقع بأثر رجعي إلى وقت إبرام العقد على عكس العقد الزمني فهو يقع فقط على المدة المتبقية.

- من ناحية الظروف الطارئة: فالعقد الزمني هو المجال الطبيعي لنظرية الظروف الطارئة بإعتبار عنصر الزمن عنصرا جوهريا على عكس العقد الفوري.

- من ناحية الإعذار: الإعذار شرطا لإستحقاق التعويض في العقد الزمني أما العقد الفوري لا يمكن إيجاد الأعذار لعدم إدراكه لفوات الوقت.

4- عقود المساومة و عقود الاذعان: عقد المساومة هو العقد الذي تتساوى في إنعقاده إرادة الأطراف كما في عقد البيع   أو في عقد الإيجار فكل من المتعاقدين يساوي الأخر.

عقد الإذعان: هو العقد الذي لا يملك فيه أحد المتعاقدين الحرية الكاملة بما يتمتع به الطرف الآخر بحكم وضعه الفعلي أو القانوني بحيث يضع هذا الأخير شروط العقد بكاملها و ما يكون للطرف الآخر سوى حرية القبول أو الرفض. كشركاة النقل أو الكهرباء أو الغاز و عقود التأمين.

و تبدو لنا أهمية التميز بين عقد الإذعان و عقد المساومة.

1- من حيث سلطة القاضي في تعديل و تحديد شروط العقد و هذا يكون في عقود الاذعان بإعتبار وجود طرف قوي و طرف ضعيف وفقا لنص المادة 110 ق م ج.

2- تنص المادة 112 " يؤول الشك لمصلحة المدين " و هذا بإعتبار المدين الطرف الضعيف و هذا يؤخذ به في نطاق عقود المساومة. بينما بالرجوع إلى نص المادة 112 / 2 ق م ج فالشك يؤول إلى مصلحة الطرف المدعن و هذا الأخير يمكن أن يكون دائنا أو مدينا.

II )- أركان العقد: أركان العقد ثلاثة: التراضي، المحل، و السبب:

أولا: التراضي: يقصد بالتراضي إتجاه الإرادة إلى إحداث الآثار القانونية المطلوبة و هذا ما نصت عليه المادة 59 من ق م ج " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية " و من هذا النص يتضح لنا أن العقد لا ينعقد إلا بتوافر رضى طرفيه، بحيث يتبادل كل طرف فيه قبوله مع الطرف الآخر إذن يسبق إنعقاد العقد التعبير عن الإرادة.

1- التعبير عن الإرادة : و يتم التعبير عن الإرادة باللفظ أو الكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا كما يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا و هذا تطبيقا للمادة 60 ق م ج. من هذا النص يتضح لنا أن التعبير عن الإرادة إما يكون تعبيرا صريحا أو تعبيرا ضمنيا ما لم يكن القانون أو الطرفان قد إتفقا على خلاف ذلك.

1-1- التعبير الصريح: وفق المادة 60 ق م ج فإن التعبير الصريح قد يكون لفظا أو كتابة و قد يكون بالإشارة التي لها دلالة في عرف المجتمع. و يعني ذلك عن طريق الكلام الذي يدل دلالة واضحة عن إرادة الشخص و عما تتجه إليه.      و يجوز التعبير عن الإرادة عن طريق الإشارة المتداولة عرفا، و هذه الطريقة تكثر لدى الأشخاص الذين لا يستطعون الكلام " الأخرس " و هذا لا يمنع أن يكون التعبير عن الإرادة بالإشارة بين الناس القادرين طالما كانت الإشارة متداولة عرفا " كهز الرأس عموديا " دلالة على القبول.

كما يمكن أن يكون التعبير صريحا بإتخاذ موقف لا يدع شك في دلالته على مقصود صاحبه كالتاجر الذي يعرض بضاعته للجمهور مع بيان أثمانها.

1 2- الوقت الذي ينتج التعبير عن الإرادة أثره القانوني: وفقا لنص المادة  (61 ق م ج ) فإن التعبير عن الإرادة ينتج آثره من الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، و يعتبر وصول التعبير قرينة على العلم ما لم يقع الدليل على عكس ذلك.




2- كيفية توافق إرادة أطراف العقد: لقد قلنا أن العقد عبارة عن إتفاق بين شخصين أو أكثر، و ذلك عن طريق إقتران الإيجاب و القبول الصادرين من المتعاقدين، فإقتران الإيجاب و القبول، يكون في مجلس واحد أو يتم في غير مجلس.

تسمى الحالة الأولى حالة التعاقد في مجلس واحد و تسمى الحالة الثانية حالة التعاقد بين غائبين حيث لا يجمعهما مجلس واحد.

2-1- التعاقد في مجلس واحد: ذكر مصطلح " مجلس العقد " في نص المادة 64 ق م ج. و يقصد به، المكان الذي يجمع كلا المتعاقدين بحيث يسمع كل منهما الآخر و يجوز أن يكون هذا المجلس فعليا ( عن طريق الهاتف بحيث يسمع كل واحد الآخر) و إذا صدر الإيجاب في المجلس لا يشترط أن يصدر القبول مباشرة شريطة أن يبقى كل من المتعاقدين منشغلا بالعقد.

فالإيجاب هو التعبير عن الإرادة البات المقترن بقصد الإرتباط بالتعاقد الذي ينصب عليه، إذا لحقه قبول مطابق له. و إذا إقترن الإيجاب بمدة زمنية في إنتظار صدور القبول من الطرف الآخر يكون الموجب ملزما به وفق المادة 63 ق م ج ، أما إذا لم يكن مقترنا كان بإمكان الموجب التحلل منه إذا لم يصدر القبول فورا.

- أما القبول فهو يصدر عادة من الشخص الموجب له، أي الذي صدر الإيجاب، و يجب أن يصدر القبول قبل سقوط الإيجاب و إلا إعتبر القبول إيجابا جديدا ينتظر قبولا من الطرف الآخر و القبول بإعتباره تعبيرا عن الإرادة لابد أن يكون ما يدل عن وجوده صراحة أو ضمنيا. لكن هل يمكن أن نعتبر أن السكوت الذي لم يقترن بإتخاذ موقف قبولا ؟.

القاعدة العامة أن السكوت لا يمكن إعتباره قبولا لأنه لا يدل لا على القبول    و لا على الرفض. و مع ذلك فإن المادة 68 ق م ج أوردت بعض الإستثناءات يكون فيها السكوت دليلا على القبول و هي:


طبيعة المعاملة أو العرف التجاري: مثال على ذلك أن يرسل تاجر جملة إلى تاجر تجزئة ما طلبه هذا الأخير من بضائع مرفوقة ببيان أسعارها فسكوت تاجر التجزئة يعتبر قبولا.

- إتصال الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين: مثال على ذلك المعاملات بين التجار.

- إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه: كأن يهب شخص لشخص آخر شيئا منقولا دون مطالبته بعوض.

2-2- التعاقد بين غائبين: يكون التعاقد بين غائبين في حالة ما لا يجمع المتعاقدين مجلس واحد فيتم التعاقد بينهما بالمراسلة سواء عن طريق البريد أو البرق أو عن طريق إرسال رسول ينقل إرادة أحد الأطراف إلى الآخر. فالعبرة هنا ليس بعدم وجود مجلس واحد و إنما بالفترة الزمنية التي ستمضي بين الإيجاب و القبول. فالإشكال في هذه الحالة يطرح حول لحظة إنعقاد العقد ( متى ينعقد العقد) فهناك عدة نظريات طرحت و هي على وجه العموم.

النظرية الأولى: إعلان القبول: حيث يعتبر العقد تاما بمجرد إعلان القابل قبوله للإيجاب.

النظرية الثانية: تصدير القبول: حيث يتجه هذا الرأي إلى القانون أن العقد يتم في الوقت الذي يصدر فيه القابل رسالته المتضمنة قبوله.

النظرية الثالثة: تسليم قبوله: بمعنى أنه يعتبر العقد تاما في الوقت الذي يصل فيه القبول إلى الموجب.

النظرية الرابعة: العلم بالقبول: بمعنى أنه يعتبر العقد تاما في الزمان        و المكان الذي يعلم فيهما الموجب بالقبول و هي النظرية التي أخذ بها الشرع الجزائري تطبيقا للمادة 67 ق م ج التي تنص على ما يلي: يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان و في الزمان الذين يعلم فيهما الموجب بالقبولالخ".

3- شروط صحة التراضي: قدمنا فيما سبق أن العقد يتم بتبادل طرفي العقد التعبير عن الإرادة و لكن هذه الإرادة لكي تكون منتجة لآثارها القانونية لابد أن تكون صادرة من شخص ذي أهلية و ألا تكون إرادته قد وقعت بعيب من عيوب الإرادة فوجودهما ضروري لصحة التراضي الذي يعد ركنا في العقد، و يترتب على تخلفه بطلان العقد بطلانا مطلقا.

إذن صحة التراضي تقتضي منا دراسة كل من: الأهلية ثم عيوب الإرادة: الغلط التدليس الإكراه الإستغلال.

3-1: الأهلية:
أ)- أنواع الأهلية: الأهلية هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق و تحمل الإلتزامات و مباشرة التصرفات القانونية و عليه فالأهلية نوعان:

1- أهلية وجوب: و هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق و تحمل الإلتزامات. و هي تثبت للإنسان منذ أن يرى النور.

2- أهلية الآداء: هي صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية        و مناطها التمييز أي الإدراك على هذا الأساس يمكن التمييز بين أربع مراحل يمر بها الإنسان خلال حياته.

       و هذا النوع من الأهلية لا تثبت لكل شخص كما هو بالنسبة لأهلية الوجوب فهي ترتبط مع قدرة الإنسان على إبرام التصرفات القانونية له و لغيره.

الجنين: و هو يملك أهلية وجوب ناقصة و ليس له أهلية أداء.

الصبي الغير المميز: و هي تبدأ من مرحلة الولادة إلى سن 16 سنة، فالشخص خلالها يكون فاقد التمييز و عليه فأهلية الأداء معدومة لديه            المادة 42 ق م ج.

الصبي ناقص التمييز: و هي تبدأ من بلوغ الشخص 16 سنة حتى اليوم قبل الأخير من سنه 19 و هو يسمى بسن التميز و هنا تكون للشخص أهلية أداء ناقصة، المادة 43 ق م ج، و ما تكون للشخص سوى أهلية الإعتناء و إبرام التصرفات التي تعود عليه بالنفع، أما التصرفات الواقعة بين النفع و الضرر فهي قابلة للإبطال لصالحه.

البالغ الرشيد: و هي بلوغ الشخص سن 19 سنة كاملة و هي مرحلة التمييز تطبيقا للمادة 40 ق م ج و هذا الحكم نص عليه قانون الأسرة في المادة 86 ق م ج منه. هذا إذا لم يعترض أهليته عارض من عوارض الأهلية كالجنون و العته       و السفه و الغفلة.

ب)- عوارض الأهلية: يقصد بعوارض الأهلية الأمور التي تدرك البالغ الرشيد فتؤدي الى إعدام أهليته أو إنقاصها و هي تنقسم الى قسمين عوارض تصيب العقل ( الجنون، العته) و عوارض تصيب الإنسان السفه.

1- العوارض التي تصيب العقل:
الجنون: و هو كل إضطراب يصيب العقل فيعدم صاحبه الإدراك و التمييز.
العته: يعرفه البعض بأنه حالة لا تصل إلى حد الجنون لأنه لا يعدم الإدراك كليا إلا أن القانون المدني الجزائري و تطبيقا للمادتين ( 42 و 43 ق م ج ) إعتبر كل من الجنون و العته عاهة تلحق عقل الإنسان فتعدم فيه الإدراك و التميز.

2- العوارض التي تصيب الإنسان في تدبيره: في الفقه و القانون " السفه " و السفيه هو كل من يبذر المال في غير محله، فهو كامل العقل لكنه مسرف في تدبير أمواله لذلك يعتبره القانون المدني ناقص الأهلية ( 34 ق م ج).

3-2 : العيوب التي تصيب الرضاء: يقصد بعيوب الرضاء الأمور التي تلحق إرادة أحد المتعاقدين أو كلاهما فتؤدي إلى إفساد رضاه و تنقسم إلى أربعة عيوب تطبيقا للقانون المدني الجزائري و هي الغلط، التدليس،الإكراه و الإستغلال، تضمنتها المواد من 81 إلى 90 ق م ج.

1- الغلط: يعرف الغلط بأنه إعتقاد خاطئ يقوم في ذهن المتعاقد يكون سببا في تعاقده مما يجعل العقد قابلا للإبطال. و هو الغلط الذي نص عنه المشرع الجزائري في المواد من 81 إلى 85 ق م ج ، و لا بد من التفرقة بين الغلط الدافع أو الجوهري الذي يدفع المتعاقد إلى الرضا بالعقد و بين غير الدافع فالغلط الدافع الجوهري هو ذلك الغلط الذي لولاه لما إرتضى المتعاقد إبرام العقد و هو المقصود في أحكام المشرع الجزائري.

شروط إبطال العقد بسبب الغلط: تنص المادة 82 ق م ج " يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط " .

*- أن يكون الغلط جوهريا.
*- أن يصل الغلط بالمتعاقد الأخر.


الشرط الأول: يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة، بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط. فالقانون يخضع مسألة جوهرية الغلط أو عدم عدم جوهرية الغلط إلى الشخص الذي وقع في الغلط. و من إمثلة الغلط الجوهري:

- غلط في صفة جوهرية للشيء: إن الغلط في صفة الشيء يعتبر جوهريا إذا كان هو الدافع الرئيسي للتعاقد. مثال على ذلك أن يشتري شخص سيارة يعتقد أنها جديدة فيتضح له أنها مستعملة.

الشرط الثاني: غلط في شخص المتعاقد: و يكون الغلط في ذاتية المتعاقد أو في صفة من صفاته الجوهرية و هي تقع خاصة في العقود التي فيها الشخص المتعاقد محل إقبال مثال على ذلك العقود المبرمة مع الفنانين أو في عقود التبرع كأن يتبرع شخص لشخص آخر لذاته، فإن الغلط في ذات الشخص المتبرع له أو الغلط في صفته يكون معيبا للإرادة.

ملاحظة: لقد نصت المادة ( 83 ق م ج) على الغلط في القانون بقولها:       " يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين ( 81، 82 ق م ج ) ما لم يقض القانون بغير ذلك " و الغلط في القانون يقع عندما يعتقد أحد الأشخاص حكم القانون على غير حقيقته.

2- التدليس: التدليس هو إيهام الشخص بغير الحقيقة بالإلتجاء الى الحيلة و الخداع من أجل حمله على التعاقد أي إيقاع المتعاقد في غلط. و قد نص عليه القانون المدني في المادتين: 86 و 87 ق م ج.

عناصر التدليس: يتضمن التدليس عنصرين:
الشرط الأول: إستعمال طرق إحتيالة.
يقصد بذلك إستعمال أساليب الإحتيال و التغرير و التضليل كحالة تقديم شهادات مزورة أو الظهور بمظهر اليسر الخ. و بهذا الشرط عبرت المادة 86 ق م ج/ 1 " إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد" يتبين في هذه الفقرة أن الإحتيال الذي وقع في أحد المتعاقدين يجب أن يكون جسيما، فلا بد أن يكون الإحتيال الدافع الحقيقي للطرف المدلس عليه بإبرام التصرف.

و يجب أن يكون التدليس هو الدافع الى التعاقد هذا ما نصت عليه       المادة 68 /01 ق م ج " يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيلة التي لجأ إليها المتعاقدان أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد".

و أن يتصل التدليس بالمتعاقد الآخر، و ينبغي أن تكون الطرق الإحتيالية صادرة من المتعاقد المدلس عليه و إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس.

الشرط الثاني: العنصر النفسي أو المعنوي:

بمعنى إتجاه النية إلى قصد التضليل L’INTENTION DE TROMPE و عليه فالتدليس يختلف عن الغلط لأنه غلط عمدي فإذا قام شخص بعمل يخدع به شخص آخر دون قصد لا نكون بصدد تدليس و إنما نكون بصدد غلط.
3- الإكراه: الإكراه هو ضغط يقع على أحد المتعاقدين. بحيث تتأثر إرادة الفرد " المكره " فيدفعه إلى إبرام عقد لا يرغب فيه و في الحقيقة ليست وسائل الإكراه بإختلاف أنواعها ( أي التهديدات) هي التي تفسد الرضاء، و إنما الرهبة أو الخوف الذي تحدثه هذه الوسائل في نفس المتعاقد، فهي التي تفسد الرضاء        المادة 88 ق م ج - . كما يمكن أن يكون الإكراه معنويا ( الإكراه المعنوي VIOLENCE MORALE ) كأن يهدد شخص. شخص أخر بالقتل كي يحمله على التعاقد.

شروط الإكراه:
الشرط الأول: التعاقد تحت سلطان رهبة: تنص المادة 88 ق م ج " يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بينة بعثها المتعاقد الأخر في نفسه دون حق " و يقصد بالرهبة الخشية التي تؤثر في رضاء المتعاقد و الذي يكون الدافع الى التعاقد، بحيث لولاه لما أبرم هذا التصرف الذي أقدم عليه، لو كان في ظروف طبيعية، و يجب أن يراعي في الإكراه جنس من وقع عليه الإكراه، و سنه، و حالته الإجتماعية، و الصحية و جميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في جسامة الإكراه، و هذا ما نصت عليه المادة 88 ق م ج . فإذا لم يترتب على الإكراه أي رهبة، فإن هذا الإكراه لا يكون له أي أثر على الإرادة.

الشرط الثاني: إتصال الإكراه بالمتعاقد الأخر: يجب أن يكون الإكراه متصلا بمن يتعاقد مع المكره، كما يكفي أن يكون المتعاقد عالما بالإكراه و في هذا المجال تقضي المادة 89 ق م ج بما يلي:" إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس للمكره ان يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الأخر كلن يعلم   أو كان من المفروض حتما ان يعلم بهذا الإكراه" و عليه فالقانون المدني الجزائري لا يسمح بإبطال العقد إلا إذا كان المتعاقد الأخر سيئ النية أي كان يعلم أو في إستطاعته أن يعلم به.

الشرط الثالث: إستعمال وسائل للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق لكي تتولد في نفس المكره الرهبة الدافعة للتعاقد و التي من شأنها أن تعيب إرادته، لا بد أن يستعمل المكره وسائل معينة تهدد المكره بخطر جسيم محدق الوقوع في جسمه أو ماله أو بأحد أقاربه أو شرفه. و هذه الوسائل قد تكون مادية ( كالضرب و الإيداء بأنواعه المختلفة). كما يمكن أن يكون الإكراه معنويا فيولد في نفس المكره رهبة و ألم.

فإن توافرت هذه الشروط الثلاثة فإنه يترتب عن الإكراه قابلية العقد للإبطال لمصلحة المتعاقد الذي وقع الإكراه عليه و له كذلك المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يصيبه لأنه عمل غير مشروع.

4- الإستغلال: نصت عليه المادة 90 ق م ج، الإستغلال هو أن يستغل شخص طيشا بينا أو هوى جامحا في شخص أخر كي يبرم تصرفا يؤدي إلى غبنه غبنا فادحا مثال على ذلك أن يستغل أحد الخطيبين ميل الطرف الآخر إليه لإبرام عقد هبة لصالحه.

شروط الإستغلال: من خلال تعرضنا للمادة 90 ق م ج تبين لنا الشروط الضرورية التي تؤدي إلى وقوع المتعاقد في عيب الإستغلال و هي تتمثل في ما يلي:

الشرط الأول: عدم التعادل بين ما يحصل عليه المتعاقد و ما يلتزم به و نعني هنا:
ان يكون تفاوتا صارخا بين ما يأخذه المتعاقد و بين ما يعطيه و هو ما يعرف بالعنصر المادي و بمعنى أخر إختلال التعادل إختلالا فادحا بحيث تكون التزامات أحدهما أقل من التزامات الأخر بصورة كبيرة كأن يبيع شخص دار بمبلغ مليون دينار جزائري و كان ثمنها الحقيقي ثماني مائة ألف دينار، يكون التفاوت يسيرا و ليس فادحا هذا بعكس ما يشتري الدار بمليوني دينار. و هو ما يعرف بالغبن الجسيم.

و الغبن هو عدم التعادل بين ما يأخذه المتعاقد و ما يعطيه، و بمعنى أخر الخسارة التي تلحق أحد المتعاقدين و عليه فهو لا يتصور إلا في عقود المعاوضة.

       إن المشرع الجزائري جعل الغبن المجرد عن الإستغلال عيبا من عيوب الإرادة في حالات معينة و هي الغبن في بيع العقار مما يزيد عن الخمس تطبيقا للمواد (358، 359 ق م ج ).

       الشرط الثاني: إستغلال ضعف معين في المتعاقد المغبون لا يكفي أن يكون ثمة غبن و إنما يجب أن يكون ناتجا عن طيش بين أو هوى جامح و هو ما يعرف بالعنصر النفسي أما الاستغلال فيتحقق بوسيلتين: الطيش و الهوى الجامح.

       و يقصد بالطيش البين عدم الخبرة بالأمور مثال على ذلك أحد الورثة نقول أنه أصيب بطيش بين إذا باشر بيع أمواله بثمن بخس دون النظر إلى العواقب، أما الهوى الجامح فهو الهوى القوى الذي يجعل الشخص يندفع دون تحكم كأن يتزوج رجل كبير بصبية في مقتبل العمر و يتعلق بها تعلقا يسلبه القدرة على الرفض خوفا من هجرتها له.

       و عليه فإذا توافرت هذه الشرط يحق للطرف المغبون طلب إبطال التصرف بكافة الطرق سواء في عقود المعاوضة أو التبرع، و للقاضي أن يبطل العقد بطلب صاحب المصلحة.
               
ثانيا: المحل: المراد بالمحل هو محل الإلتزام أي العملية القانونية التي إتفق المتعاقدان على تحقيقها و هو إما إعطاء شيء ما أو فعل شيء ما أو الإمتناع عن فعل شيء ما، و هو ما تضمنته المواد من 92 إلى 96 ق م ج ، و على كل حال يجب توافر ثلاثة شروط في محل الإلتزام.

       1- أن يكون ممكنا.
       لا بد أن يكون محل الإلتزام ممكنا أي موجودا ، أو قابل للوجود مستقبلا     و عليه فإن التعامل في الأشياء المستقبلية جائز في القانون المدني الجزائري لكنه غير جائز في أحكام الشريعة الإسلامية، و قد نص عليه القانون في المادة 92 / 01 منه، و كمثال على محل قابل للوجود بيع ثمار لم تنضج بعد و بيع كتاب لم يتم طبعه بعد، أما إذا كان مستحيلا IMPOSSIBLE ففي هذه الحالة يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا.

       2- أن يكون معينا أو قابل للتعيين.
       فيجب أن يتم تعيين محل الإلتزام تعيينا يمنع الجهالة فيه مثال على ذلك بيع منزل معين يتطلب تحديد موقعه و حدوده و أوصافه و تنص المادة 94 ق م ج على ما يلي: " إذا لم يكن محل الإلتزام معينا بذاته وجب أن يكون معينا بنوعه و مقداره و إلا كان العقد باطلا " و التعيين بالنوع و المقدار يتعلق خصوصا بالاشياء المثلية كبيع كمية من القمح.

       3- أن يكون مشروعا.

       تنص المادة 96 ق م ج على ما يلي: " إذا كان محل الإلتزام مخالفا للنظام العام أو الأداب العامة كان العقد باطلا" يجب أن يكون محل الإلتزام مما يجوز التعامل به أي غير مخالف للنظام العام و الأداب العامة ORDRE PUBLIQUE ET LES BONNE MESURES و الأشياء التي لا يجوز التعامل فيها بحكم القانون مثل تحريم التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة و لو برضاه م 92 / 02 ق م ج  و بيع المخدرات و الصور المخلة بالأداب العامة.

       ثالثا: السبب: السبب هو الغرض الذي يقصد الملتزم للوصول إليه من وراء قبوله تحمل الإلتزام ففي عقد البيع مثلا سبب تحمل البائع الإلتزام بنقل الملكية هو الحصول على الثمن و غرض المشتري هو الحصول على البضاعة أو حيازة العقار أو المنقول و عليه فالسبب هو الدافع إلى التعاقد.

       الشروط الواجب توافرها في السبب:
       الشرط الأول: أن يكون موجودا فإذا قام شخص مثلا بتبرع دون وجود نية التبرع أي تحت إكراه كان العقد باطلا نظرا لإنعدام السبب.

       الشرط الثاني: أن يكون صحيحا فإذا كان السبب موهوما أي غير صحيح كأن يتفق الموصى له على دفع مبلغ نقدي تنفيذا لهبة ثم يتضح أن الموصى قد رجع في وصيته فهنا العقد يبطل لعدم صحة السبب، و مثاله أيضا العقد الصوري عقد بيع يسترهبة، فهنا يتم إخفاء السبب الحقيقي و هو نية التبرع.

       الشرط الثالث: أن يكون السبب مشروعا إن السبب غير المشروع هو السبب الذي يخالف النظام العام و الأداب العامة. كأن يتفاهم شخص مع آخر يدفع مبلغ نقدي مقابل تزوير ملف أو وثائق رسمية .

       و عليه فقد نصت المادة 97 ق م ج على ما يلي: " إذا إلتزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو للأداب كان العقد باطلا ".

       III - بطلان العقد:        إن  البطلان هو الجزاء المترتب عن تخلف ركن من أركان العقد أو إختلاله و هو يختلف عن الفسخ لأن هذا الأخير هو حل الرابطة العقدية بسبب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين للإلتزام. فالعقد في حالة الفسخ ينشأ صحيحا غير أنه يفسخ نظرا لعدم تنفيذ أحد الطرفين لإلتزامه، و عليه فالبطلان يجعل العقد كأن لم يكن سواء فيما بين طرفيه أو فيما بين المتعاقدين. و لقد نظم المشرع الجزائري البطلان في المادة 99 إلى غاية 105 ق م ج متظمنا أحكامه و محددا أنواعه.

أولا: أنواع البطلان: إن الفقه يقسم البطلان إلى قسمين، بطلان مطلق       و بطلان نسبي.

البطلان المطلق: يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا إذا إختلف ركن من أركانه الثلاثة و هي الرضى و المحل و السبب و قد يضاف إليها ركن رابع و هو الشكلية في بعض المعاملات ذات الخطورة و الأهمية و قد راينا فيما يخص ركن الرضا أن ثمة شروط يجب توافرها فيه و عليه فإذا إختلت هذه الشروط فإن العقد يكون باطلا بطلانا مطلقا و ما قيل بالنسبة للرضا يقال بالنسبة للشروط الخاصة بالمحل          و السبب، و عليه ففي حالة الإخلال بهذه الأركان يكون العقد في حكم المعدوم بحيث لا ينتج أي أثر قانوني و يجوز لكل ذي مصلحة أن يطلب هذا البطلان بل و يجوز للمحكمة أن تطلبه من تلقاء نفسها فهو بطلان من النظام العام هذا ما تؤكده المادة 102 ق م ج بقولها : " إذا كان العقد باطلا مطلقا جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان و للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها". لأن العقد الباطل ليس له وجود قانوني.

2- البطلان النسبي: إن العقد الذي يكون قابلا للإبطال أو كما يسمى قديما البطلان النسبي فإنه عقد قائم و صحيح لكنه معيب بعيب من عيوب الرضاء و هي نقص أهلية المتعاقد ، أو الغلط أو التدليس أو الإستغلال أو الإكراه و عليه يكون طلب إبطال العقد لمن عيب رضاه أي أن قابلية العقد للإبطال لمصلحة المتعاقد الذي عيب رضاه و في هذا المجال تنص المادة 99 ق م ج على ما يلي: " إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد فليس للمتعاقد الأخر أن يتمسك بهذا الحق". و تنص المادة 100 ق م ج على ما يلي: " يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية ". و هذا عكس البطلان المطلق لأن هذا الأخير لا يزول بطلانه بالإجازه لأنه معدوم أصلا و لا تترتب عليه آثار قانونية و مع ذلك يجوز أن يترتب عليه آثار مادية مثال على ذلك " عقد الزواج " حيث ترتب عليه الشريعة الإسلامية أثارا مادية مثل العدة للمرأة و المهر على الرجل. فالعقد الباطل بطلانا نسبيا يسقط فيه البطلان إما بالاجازة أو التقادم.

أ)- الإجازة: تنص المادة 100 ق م ج على ما يلي:" يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية و تسند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير" فالإجازة هي عمل قانوني بإرادة منفردة يصدر من تقرر البطلان لمصلحته.

ب)- التقادم: تقضي المادة 102 ق م ج على دعوى البطلان المطلق " تسقط دعوى البطلان بمضي خمسة عشرة سنة من وقت إبرام العقد" فالبطلان الذي تقرره هذه المادة تقادم مسقط للحق في التمسك بدعوى البطلان بالنسبة للعقد الباطل بطلانا مطلقا. أما البطلان النسبي فلقد نصت عليه المادة 101 ق م ج  " يسقط الحق في ابطال العقد اذا تمسك به صاحبه خلال عشرة سنوات" و يبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب و في حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي يكتشف فيه و في حالة الإكراه من يوم إنقطاعه غير أنه لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا إنقظت 15 سنة من وقت إتمام العقد.

ثانيا: آثار البطلان: بالرجوع إلى المواد: 103، 104، 105 ق م ج/ فإنه يترتب على بطلان العقد مجموعة من الآثار.

1 - الآثار بالنسبة للمتعاقدين:
تنص المادة 103 / 01 ق م ج على ما يلي: " يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد"، و عليه فإذا كان العقد نفذ كله أو جزء منه فإنه يجب على كل متعاقد أن يرد ما تسلمه إعمالا للآثر الرجعي للبطلان، كعقد العمل أو عقود الإيجار و مع ذلك فإن المشرع الجزائري أورد إستثناء و هو حالة نقص الأهلية تطبيقا للمادة 103ق م ج "غير أنه لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته أن يرد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد". و هناك آثار عرضية أخرى تترتب في حالة البطلان المطلق و هي ما يعرف بنظرية تحول العقد CONVENTION DU CONTRAT و في هذا المجال تنص المادة 105 ق م ج على ما يلي: " إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال و توفرت فيه أركان عقد آخر فإن العقد يكون صحيحا بإعتباره العقد الذي توافرت أركانه إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد" . مثال على ذلك إذا نقل شخص إلى شخص آخر ملكية شيء دون مقابل فإن العقد في هذه الحالة يكون هبة و لو سماه المتعاقدين بيعا.

2 الآثار بالنسبة لغير المتعاقدين: إن للبطلان آثار مطلقة بالنسبة للكافة     و المقصود بالغير الأشخاص الذين لهم حقوق تتآثر بصحة العقد أو ببطلانه أي الخلف الخاص للمتعاقدين مثال على ذلك المشتري يعتبر خلف خاص للبائع          و صاحب حق الإنتفاع هو خلف خاص للمالك فهل تسقط حقوق الغير نتيجة بطلان العقد ؟ إذا كان (أ) إشترى منقول من (ب) و كان العقد باطلا و قام (ج) بشراء هذا المنقول من (ب) فما مصير هذا العقد؟ .

إذا كان العقد بين أ و (ب) باطلا فإن (ب) في هذه الحالة يعتبر متصرفا في ملك الغير و هو أ لأنه لا يملك هذا الشيء لكن السؤال الذي يطرح ما مصير ج     و هو الغير بالنسبة للعقد إذا كان حسن النية لأن هذا يؤدي إلى عدم الإستقرار في المعاملات؟.

من أجل حماية الإستقرار أو المعاملات و محافظة على حقوق الغير فقد عمد المشرع الجزائري إلى توفير الحماية للغير و ذلك بالإعتراف بالآثار المادية للعقد حيث أجاز العقود الصورية تطبيقا للنص المادة 189 ق م ج، و كذلك حماية الحائز المنقل حسن النية مثال على ذلك قيام (أ) بشراء منقول من (ب) ثم قام (أ) ببيعه لـ (ج) فإذا تقرر بطلان العقد بين (أ) و (ب) لا يجوز إنتزاع المنقول من ج متى كان حسن النية لا يعلم ببطلان العقد بين (أ) و (ب).

IV أثار العقد : يترتب على إبرام العقد مجموعة من الآثار بالنسبة للمتعاقدين و خلفيهما العام و خلفيهما الخاص و كذلك بالنسبة للغير.

أولا: بالنسبة للمتعاقدين و خلفهم العام: إصطلاح المتعاقد ينصرف إلى كل شخص شارك في إبرام العقد سواء أكان ذلك بشخصه أو بواسطة نائب عنه،        و إنصراف آثار العقد بالنسبة للمتعاقدين، يكون بصورة مطلقة و كاملة و في هذا الإطار لا بد من الإلتزام بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين تطبيقا للمادة 106 ق م ج      و عليه فلا يجوز إنقاص الإلتزامات أو تعديلها إلا بإتفاق الطرفين أما بالنسبة للأشخاص الذين تربطهم بالمتعاقدين صلة معينة كالخلف العام و الخلف الخاص، فلقد جاءت المادة 108 ق م ج و هي خاصة بالخلف العام. و يراد بالخف العام هو من تنتقل إليه الذمة المالية للسلف بما فيها من حقوق و واجبات أو جزء من الذمة المالية لإعتبارها حقوقا خاصة من حقوق السلف و إنما لإعتبارها مجموعة من المال كالورثة أو الموصي عندما يتلقى جزاء غير معين من التركة، كما أنه من خلال المادة 108 ق م ج يتضح لنا أن مبدأ إنصراف آثار العقد إلى الخلف العام لا يعتبر مطلقا و إنما مقيدا و ترد عليه إستناءات في الحالات التالية:

الحالة الأولى: إتفاق الطرفان على إقتصاره عليهما.

الحالة الثانية: إذا كانت طبيعة التعامل تقتضي ذلك كالعقد المرتب لحق الإنتفاع.

الحالة الثالثة: حالة إنقضاء الوكالة بموت الموكل أو الوكيل المادة 586     ق م ج. 

       الحالة الرابعة: التصرفات المبرمة في مرض الموت لا تسرى في حق الورثة المادة 108 ق م ج.

       الحالة الخامسة: لا يلتزم الورثة بديون التركة و لا تنتقل إليهم التركة الا بعد سداد الديون.

       ثانيا: الآثار المترتبة بالنسبة للخلف الخاص: تنص المادة 109 ق م ج على أنه إذا أنشأ العقد إلتزامات و حقوق شخصية تنتقل إلى الخلف الخاص في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماتهم و كان الخلف الخاص يعلم بها وقت إنتقال الشيء إليه. و الخلف الخاص هو من يستخلف الشخص في شيء معين كموصى له بجزء معين من التركة و كذلك المنتفع بعين معينه و المحال له في حوالة الحق. فالمادة 109 ق م ج إذن تشترط لإنتقال الحقوق و الإلتزامات للخلف الخاص شروط و هي إتصال الحقوق و الإلتزامات بالحق المستخلف.

- أسبقية وجود هذه الحقوق و الإلتزامات على تاريخ إنتقال الحق المستخلف فيه للخلف الخاص.

- علم الخلف الخاص بالحقوق و الإلتزامات حتى تنتقل إليه.


       ثالثا: الآثار المترتبة بالنسبة للغير: تنص المادة 188 ق م ج على أن أموال المدين جميعها ضامنة لوفاء ديونه و الدائن لا يعتبر خلفا عاما و لا خاصا للمدين ، و عليه فكل عقد يبرمه المدين سواء أدخل حقا لذمة الدائن أو رتب عليه إلتزاما لا يتأثر به الدائنون و لا يلتزمون به. إذن تمكننا إعتبار الدائن من الغير إذ يتضح ذلك في موقف المشرع الجزائري من خلال المادة 191 ق م ج، حيث تقرر أحكام هذه المادة للدائن يرفع دعوى عدم النفاد ضد التصرفات القانونية التي قام بها المدين و التي من شأنها أن تنقص حقوقه أو تزيد في إلتزاماته و هذا يعني أن المشرع الحق الدائن بالغير.


       و المقصود بالغير هو كل من لم يكن طرفا في العقد و هو لا يتأثر بالتزامات المدين و في هذا المجال تنص المادة 113 ق م ج " لا يرتب العقد إلتزاما لذمة الغير و لكن يجوز أن يكسبه حقا " مثال على ذلك ما نصت عليه المادة 116 ق م ج على أنه " يجوز للشخص أن يتعاقد بإسمه على إلتزامات يشترطها لمصلحة الغير إذا كان له في تنفيذه الإلتزامات مصلحة شخصية مادية أو أدبية.