تزوير المحررات:

تزوير المحررات:
تعريف تزوير المحررات: إن تجريم تزوير المحررات يمس بصفة مباشرة الثقة العامة، و تجريم هذا النوع من الجرائم حماية لهذه الثقة.
إن قانون العقوبات الفرنسي المؤرخ قي سنة 1994 في المادة 441 يعرف التزوير كالآتي: هو كل تغيير للحقيقة بطريق الغش من شأنه أن يتسبب في ضرر تم بأية وسيلة في محرر، والذي يكون موضوعه أو نتيجته إقامة الدليل على وجود حق أو واقعة ذات نتائج قانونية.

و ما نلاحظ على هذا القانون الحديث أنه تطرق للتزوير ليس بالمفهوم التقليدي المتمثل في المحرر فحسب بل صار شاملا لكل سند يعبر عن فكرة طالما له قيمة إثباتية كأسطوانات الكمبيوتر و الأشرطة.

بعد هذا التعريف الموسع لتزوير المحررات نقتصر على عرض الشرط المسبق العام لهذا التزوير في قانوننا و هو المحرر.

تعريف المحرر محل التزوير: يقصد بالمحرر أو الكتابة السند الحامل لعلامات ظاهرة و دائمة، و يعد الشرط المسبق العام في كل جرائم تزوير المحررات، ولا يشترط كتابته بيد مرتكب التزوير فقط وإنما يمكن أن يكون المحرر المزور مكتوبا بالآلة الراقنة أو مطبوعا، هذا و يمكن أن يكون محلا للتزوير السندات و القيم المنقولة و تذاكر السكك الحديدية، ومن جهة ثانية ليس من الضروري أن يقوم المزور هو نفسه بالكتابة، فالتزوير يتحقق أحيانا بالإلاء بتقرير كاذب يسجله ضابط عمومي أو أمر الغير بالقيام بالفعل هذا و لكي يؤخذ التزوير بعين الإعتبار لا بد أن يكون للمحرر المحمي قيمة إثباتية، فإذا كان المحرر مثلا لا يثبت أي إلتزام في ذمة الغير فإنه لا يصلح لأن يكون محلا للتزوير.

إن للمحرر تأثير مباشر على النظام القانوني للتزوير، إذ يختلف هذا النظام بحسب نوع المحرر، و سوف نقتصر هنا على دراسة النوعين الرئيسيين من التزوير.
1- تزوير المحررات العمومية أو الرسمية.
2- تزوير المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية.

وبما أن إستعمال المحررات المزورة يعد جريمة منفصلة عن التزوير في حد ذاته سوف نتناولها في مبحث ثالث.

1- جرائم التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية: سنتطرق أولا لجريمة التزوير الأساسية من حيث أركانها و عقابها ثم بعد ذلك نعرض جريمة نعتبرها مكملة للتزوير، و هي المتمثلة في الإدلاء بتقرير كاذب أمام موظف.

1-1 أركان الجريمة: نتناول الركن المادي ثم الركن المعنوي.

الفرع الأول: الركن المادي: يمكن التمييز بين نوعين من السلوكات المجرمة ومن ثم يختلف الركن المادي في جريمة تزوير المحررات العمومية أو الرسمية بحسب ما إذا كان مرتكب الجريمة له صفة قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية أو ليس له هذه الصفة أي شخصا أيا كان، وقبل ذلك من الضروري تحديد المقصود بالمحررات العمومية أو الرسمية.

مفهوم المحرر العمومي أو الرسمي: يقصد بالمحررات العمومية أو الرسمية الأوراق التي يحررها موظف عمومي مختص بتحرريها بمقتضي وظيفته.

و يقسم الفقه تقليديا المحررات العمومية أو الرسمية إلى الأنواع التالية:
1- المحررات السياسية: و هي المحررات التي تدخل في عمل السلطات العليا للدولة كالمعاهدات و القوانين و المراسيم.

2- المحررات القضائية: هي المحررات التي يحررها القضاة و مساعدوهم المباشرون أو غير المباشرون، ومن أمثلتها الأوامر و الأحكام و القرارات           و المحاضر القضائية و تقارير الخبراء و محاضر الشرطة القضائية.

3- المحررات أو العقود الرسمية: وهي التي تتم لدى موظف أو ضابط عمومي كأوراق الموثقين و المحضرين.

4- المحررات الإدارية: هي المحررات الأكثر عددا من غيرها و الصادرة عن الجهات الإدارية و المصالح العمومية المختلفة كدفاتر المواليد ووثائق الإزدياد   و حوالات البريد و القرارات و المنشورات الإدارية.

التزوير المرتكب من طرف شخص ذي صفة: المقصود بذلك أن الجريمة ترتكب من طرف قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية أو ما يطلق عليه ضابط عمومي كما جاء في النص الفرنسي. إذا كشرط مسبق يتطلبه القانون لتوفر صفة معينة مرتبطة بممارسة وظيفة عمومية، ولا إعتبار لهذه الصفة إلا إذا تم الفعل أثناء تأدية الوظيفة أو القيام بعمل من الأعمال المرتبطة بها و في حدود إختصاص صاحبها موضوعيا و محليا.

إن التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية أو تغيير الحقيقة فيها لاعقاب عليه إلا إذا و قع بإحدى الطرق المنصوص عليها في القانون. و قد إستخلص الفقه من النصوص القانونية التي تتناول التزوير نوعان مادي و معنوي.

أولا:- التزوير المادي: هو إحداث المزور تغييرا ماديا في المحرر يدركه الحس و تقع عليه العين سواء كان ذلك بزيادة أو حذف أو تعديل في محرر موجود مسبقا أو بإنشاء محرر جديد. و عادة ما نجد أربع (4) طرق للتزوير المادي و هي:

1- وضع توقيعات مزورة: و يتم هذا عندما يوقع المزور على المحرر بإسم خاطئ أو بإمضاء غيره بطريق التقليد أو بإسمه الخاص لكن بدلا من الشخص المختص بالإمضاء و مثل ذلك أن يقوم موظف غير مفوض بإمضاء محرر كان المفروض أو يوقع ممن يعلوه مرتبة.
2- إحداث تغيير في المحررات أو الخطوط أو التوقيعات: وهي إحداث تغيير مادي من طرف المحرر على المحرر بعد تحريره و لاتهم الطريقة أو الكيفية المستعملة المهم أن تكون زيادة أو إستبدال أو حذف كتغيير تاريخ الجلسة في إعلان الحضور في قضية ما أو زيادة قيمة المبلغ المثبت في إيصال بعد تحريره أو تغيير رقم المحرر أو تاريخه و الحذف قد يتم بكل الطرق كالشطب أو إستعمال المواد الكيمياوية بدون أن يؤدي الحذف إلى إتلاف المحرر، و في هذه الحالة تصبح الورقة عديمة النفع و لا نكون بصدد تزوير في محرر رسمي بل يتحمل الفاعل هنا مسؤولية إتلاف الوثائق.

3- إنتحال شخصية الغير أو الحلول محلها: و تتحقق بإحلال إسم شخص آخر في وثيقة مكتوبة بطريق الشطب أو الإضافة، أما دون ذلك فيعد إنتحال شخصية الغير و الحلول محلها من قبيل طرق التزوير المعنوي كما في حالة تقدم شخص بإسم خاطئ أمام العدالة كمدين في خصام مدني أو محكوم عليه ليسجن.

4- الكتابة في السجلات أو المحررات العمومية أو التحشيرات فيها بعد إتمامها أو قفلها: و الحكمة من تجريم التزوير الذي يتم بهذه الطريقة هي إبقاء المحاضر و السجلات على حالها بعد إتمامها أو إقفالها و منع إضافة أو أي تحشير (بين السطور أو بين الصفحات).

ثانيا: التزوير المعنوي: هو إدخال المزور تغييرا في المحرر ليس في شكله       و مادته بل في معناه و مضمونه، و يرتكب هذا التزوير وقت تحرير المحرر      و ليس له أية علامة ظاهرة تدل عليه إذ يحرر المحرر صحيح في ظاهره في صورة تتضمن بيانات غير صحيحة فلا يدرك الحس أثر التزوير.

ويتم التزوير المعنوي بعدة طرق و هي:

1- كتابة الموظف إتفاقات خلاف ما دونه أو أملاه الأطراف: و يقع التزوير هنا عندما يغير الموظف المختص بالتحرير ما طلب منه أصحاب الشأن إثباته في المحرر سواء بتغيير ما دونوه في ورقة أو ما أملوه عليه من شروط و بيانات حال تحرير المحرر و أثنائه.

2- تقرير الموظف وقائع يعلم أنها كاذبة في صورة وقائع صحيحة: يقصد بها إعطاء واقعة مظهرا صحيحا على خلاف الواقع كأن يكتب الموظف أن الورقة حررت بتاريخ غير التاريخ الحقيقي أو بمكان غير المكان الحقيقي، و يتحقق التزوير بهذه الطريقة و لو سطرت الواقعة بموافقة إرادة أطراف المحرر. فتغيير الحقيقة قد يكون القصد منه إلحاق الضرر بالغير فضلا عن إخلاله في جميع الحالات بالثقة العامة.

3- شهادة الموظف كذبا أن وقائع إعترف بها أو وقعت في حضوره: عموما لا تخرج هذه العبارة عن مفهوم تغيير الحقيقة الوارد في العبارة السابقة فالشهادة بأن وقائع قد إعترف بها و هو أمر لم يحدث لا يعدو أن تكون تقديمها لواقعة مزورة في صورة صحيحة. ومن أمثلة التزوير هذا إستبدال شخص بآخر كما هو الحال بالنسبة للموثق الذي يشهد كذبا أن دائنين قد حضروا أمامه وأقروا بحصولهم على حقوقهم وأعطوا وصلا بذلك.

 4- إسقاط أو تغيير الإقرارات التي تلقاها الموظف عمدا: و يتحقق التزوير هنا بإغفال الموظف ذكر إقرار تلقاه من ذوي الشأن كليا أو جزئيا (بتغييره) لسبب من الأسباب كما في حالة المحاسب العمومي الذي يمتنع عمدا في تسجيل بعض الإيرادات في السجل ذي الكعب أو الموثق الذي يسجل إخلاء ذمة عام فوق إخلاء ذمة أعطاه زبون بصدد عملية محددة مسقطا هذا الإقرار الأخير هكذا يلاحظ أن التزوير الذي هو أصلا فعل إيجابي يمكن أن يتحقق بالإمتناع.      

ج- التزوير المرتكب من شخص أيا كان: إن التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية قد يرتكب من أي شخص كان و قد يتخذ إحدى الصور الآتية:
1- تقليد أو تزييف الكتابة أو التوقيع.
2- إصطناع إتفاقات أو نصوص أو إلتزامات أو مخالصات أو إدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
3- إضافة أو إسقاط أو تزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو لإثباتها.
4- إنتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.

إن إرتكاب التزوير من طرف شخص أيا كان، لا يخرج عموما عن الطرق التي سبق شرحها، سواء طرق التزوير المادي أو طرق التزوير المعنوي.

الفرع الثاني: الركن المعنوي: يستخلص من قراءة النصوص التجريمية المحددة لطرق التزوير السابق عرضها، ومن الفقه و القضاء أو الركن المعنوي في تزوير المحررات العمومية و الرسمية يستوجب توفر القصد العام بالتأكيد في كل الحالات.

- أما القصد الخاص عند إرتكاب هذه الجريمة، بإحدى طرق التزوير المعنوي فهي " العلم " و التعمد"  بعملية " التزييف" بطريق الغش.

- وقد إختلفت الآراء في تحديد مضمون هذا القصد بحيث إشترط البعض تحقيقه بأن تتوفر لدى المزورنية الإضرار بالغير، في حين إكتفي البعض الآخربنية الغش المتمثلة حسب " جارسون" في أن يكون المزور عالما أو في إمكانه أن يعلم بأن المحرر المزور سيستعمل ضد من زور عليه، و يتفق هذا الرأي الأخير أكثر مع ما جاء في القانون.

- إن نصوص المواد القانونية المتطرقة للتزوير عندما لا يرد بها ذكر للقصد فإن غالبا ما يكتفي فيها بالقصد العام المتمثل في علم المزور بكافة عناصر الركن المادي للتزوير و منها أن فعله ينطوي على تغيير للحقيقة.
- أما من ناحية الإثباث في جريمة التزوير فتختلف بحيث أن عبء الإثباث لا يقع على النيابة بل على المتهم أن يثبت إنتقاءها في التزوير المرتكب من شخص أيا كان لأن نية الغش مفترض و جودها في التزوير المادي. بينما يقع عبء الإثبات على النيابة في التزوير المرتكب من طرف الموظف العام في إثباث نية الغش عند الموظف حينما يرتكب الفعل بإحدى طرق التزوير المعنوي، بمعنى آخر فإن النيابة ملزمة بتحمل عبئ إثباث القصد الخاص في هذه الحالة.

التزييف: و يكون بالعمل على الاستفادة غير المشروعة من عملية ما و ذلك كأن يعمد الجاني إلى بردها للانتقاص من وزنها، أو طلائها بمادة ما فتظهر على أنها أكبر قيمة من قيمتها الحقيقية و قد يعمد الجاني إلى طلائها بمادة كيميائية فتظهر على أنها من مادة أخرى فيستفيد من جسمها الحقيقي.


       هذه هي الأفعال المادية التي حددتها المادة 197 أما المادة 198 فقد ساوت في العقوبة بين المقلدين و المزورين و المزيفين و بين المصدرين و الباعة          و الموزعين و الموردين سواء كانوا في ذلك فاعلين أصليين أو مجرد شركاء متى كانوا على علم بالتزوير و يمكن تفصيل تلك الحالات على النحو التالي:

       الإصدار (الترويج): هي العملية التي يقصد منها طرح النقود في مجال التداول مع العلم أنها مزيفة المصدر و المروج قد يكون هو الذي قام بالتزوير فيحاسب عندئذ عن جريمة التزوير و قد يكون المصدر شخصا آخر مهمته تنحصر في تصدير الأوراق المالية المزورة و عندها يحاسب على جريمة التصدير كفاعل أصلي(منفذ مادي).

       التوزيع: و يقصد بالتوزيع طرح النقود المزورة للتداول بين الناس في أماكن متعددة، أو لقيام بعملية توصيلها إلى زبائن متعددين، و قد يكون التوزيع لأناس يتولون عملية طرحها في الأسواق مباشرة أو بواسطة بائع لهم.

       البيع: هو عملية تسويق الأوراق المالية إذا صح التعبير، فالبيع يكون بصرفها أو تحويلها إلى نقود أخرى أو باستبدالها بأشياء أخرى.

       الادخال: قد تتم عملية التزوير في الخارج فيقوم الجاني سواء كان هو المزور     أو أي شخص أخر يتولى عملية إدخال النقود إلى البلاد و نرى أن الادخال أو الاخراج يحمل نفس المعنى، إذ قد تتم عملية التزوير في البلاد ثم يسعى الجناة لإخراجها إلى الأسواق الأجنبية بالاستفادة منها، و ادخال العملة لا يشترط أن يكون بطريقة دون أخرى فسيان تم إدخالها بواسطة البريد أو ضمن حقائب المسافرين أو بواسطة شخص أخر أو بأية وسيلة أخرى ممكنة.
      
- و لكي يقوم الركن المادي لهذه الجريمة يشترط أن يكون محل التزوير          أو التقليد أو التزييف هو النقد بمعناه الواسع: فالنقود التي أشارت إليها المادة 197 هي: النقود المعدنية و الأوراق النقدية و السندات و الأذونات و الأسهم و قسائم الأرباح العائدة من السندات و يعني ذلك أن تكون النقود صادرة عن الحكومة أو عن أية جهة مخول لها رسميا باصدارها كالأسهم و السندات و الأذونات التي تصدرها الخزينة العمومية و التي تحمل خاتم و علامة الدولة.

       و يشترط في العملة بصريح النص أن تكون مما يجوز التعامل فيه و ذات سعر قانوني، و هذا الشرط مهم جدا في هذه الجريمة إذ ليس المقصود بالنقود القديمة التي خرجت عن دائرة التعامل و التي لا تضمن لها الدولة سعرا محددا، فالتزوير في هذه النقود القديمة هو مجرد غش يفترض في المشتري أي يتحقق منه و لا يدخل ضمن الركن المادي لهذه الجريمة.

       الركن المعنوي: يقوم الركن المعنوي في هذه الجريمة بانصراف ارادة الجاني إلى غاية معينة هي الاتجار بالعملة غير الصحيحة و تكون عادة بقصد الحصول على منافع مادية شخصية يحصل عليها الجاني، فلا يرتكب هذه الجريمة من كان يسعى لإجراء تجربة علمية أو ثقافية أو فنية أو تجارية، كما يجب أن تتوفر للجاني نية التعامل بالعملة المزورة وقت ارتكاب الفعل، فإذا حصل التزوير و كان الجاني خالي الذهن ثم طرأت له فكرة التعامل بالنقود المزورة فيما بعد و نفذ ما سولت له نفسه به فإنه سيحاسب هنا على جريمة طرح الأشياء المزورة للتداول بموجب المادة 198، و بجريمة الشروع إذا لم يتم التعامل بالنقد المزور لسبب خارج عن نطاق ارادته.

       و هكذا فان جريمة الاتجار بالنقد المزور التي نصت عليها المادة 198 تعني أن الجاني يعلم مسبقا أنه يتعامل بنقد مزور فلا يرتكب جريمة التزوير من تسلم النقد المزور ثم تعامل به و هو يجهل تماما طبيعته، و على ذلك فان المصدر أو الموزع أو البائع أو المورد تنتفي مسؤوليته تماما إذا كان يجهل فعلا طبيعة النقد المزور     و لو تعامل فيه، و ذلك لانتفاء القصد لديه.

       و لكن ما القول لو أن الشخص تسلم الشيء و هو يجهل أنه من الأشياء المزورة أو المقلدة أو المزيفة، و لكنه أكتشف هذه الحقيقة بعد مدة، فلم تتجه نيته عن طرحها للتداول ؟

       فأجابت المادة 201 على هذا التساؤل بقولها: " لا عقوبة على من تسلم نقودا معدنية أو أوراقا مقلدة مزيفة أو ملونة و هو يعتقد أنها صحيحة و طرحها للتداول و هو يجهل ما يعيبها.

       كل من طرح النقود المذكورة للتداول بعد أن يكشف ما يعيبها يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و بغرامة تساوي أربعة أضعاف المبلغ الذي طرحه بهذه الكيفية ".

كما تنص المادة 204 على ما يلي: " يجب الحكم بالمصادرة المنصوص عليها في المادة 25 ق ع ج في الجرائم المشار إليها في المواد 197- 201 - 203 ق ع" و المصادرة هنا كتدبير من تدابير الأمن لا يقصد به سحب الأشياء المتحصلة عن الجريمة فحسب، بل أنها لها خصائص متميزة بوصفها تدبيرا، منها أن لها طابعا عينيا فهي تدبير موجه ضد الأشياء بقصد سحبها من التداول، لما تحمله في ذاتها من خطورة على المجتمع، و هي لذلك لا تسقط بالعفو العام، و يحكم بها و لو لم يكن هناك أية عقوبة أصلية، و يقتضي النظام العام أن تصادر كتدبير وقائي.
الإعفاء من العقوبات: نصت المادة 199 على ما يلي: " إذا أخبر أحد مرتكبي الجنايات المبينة في المادتين السابقتين السلطات أو كشف لها عن شخصية الجناة قبل إتمام هذه الجنايات و قبل بدء أي إجراء من إجراءات التحقيق فيها أو سهل القبض على الجناة الآخرين حتى بعد بدء التحقيق فإنه يستفيد من العذر المعفي بالشروط المنصوص عليها في المادة 52 ق ع ".
و يستفاد من النص أن مرتكب الجناية بصفته فاعلا أصليا أو شريكا يستفيد من العذر المعفي بالحالتين:
       1 - إذا أخبر السلطات أو كشف عن شخصية الجناة قبل إتمام الجناية و قبل البدء في إجراءات التحقيق.
       2 - إذا سهل القبض على الجناة حتى بعد بدء التحقيق و في هاتين الحالتين فإن العذر المعفي يعني عدم عقاب الجاني فحسب، بحيث تطبق عليه المادة 204 التي توجب مصادرة النقود المزورة، كما يجوز للمحكمة أن تحكم عليه بالمنع من الإقامة من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر.
 
استعمال المحررات المزورة:
1- الطبيعة القانونية لجريمة استعمال المحررات المزورة: من المقرر فقها أن معيار التمييز بين الجرائم الوقتية و المستمرة يتوقف عن الوقت الذي يستغرقه تحقق عناصر الجريمة بحيث أنه إذا لم يستغرق إلا فترة زمنية قصيرة فالجريمة وقتية، أما إذا استغرق وقتا طويلا نسبيا فالجريمة مستمرة، و هذا التقسيم نسبي     و لقاضي الموضوع سلطة تقديرية في تحديد الوقت الزمني قصيرا أو طويلا.

       و وفقا لهذا المعيار، فإن جريمة التزوير في أغلب حالاتها جريمة وقتية لأن فعل تغيير الحقيقة و تحقق النتيجة المتمثلة في صدور المحرر مغايرا للحقيقة، كل ذلك يستغرق وقتا قصيرا، أما جريمة استعمال المحررات المزورة فهي في أغلب حالاتها جريمة مستمرة، تستغرق وقتا طويلا ذلك أن غرض المتهم لا يتحقق إلا إذا أودع المحرر المزور في يد الغير، أو بقي لديه فترة كافية من الزمن، فتعد الجريمة مستمرة طالما بقي المتهم يحتج بالمحرر لتحقيق الغرض الذي من أجله أصدره     و أودعه لدى الغير، و تنتهي حالة الاستمرار إذا تحقق غرض المتهم أو اكتشف تزويره فصار غير صالح لأن يحتج به أو نزل عن الاحتجاج بالمحرر.

2- أركان جريمة استعمال المحرر المزور: تتطلب هذه الجريمة ركنا ماديا قوامه فعل الاستعمال، و ينصب هذا الفعل على موضوع هو المحرر المزور        و تتطلب في النهاية المادة 218 قانون عقوبات جزائري.

أ الركن المادي:
       1 فعل الاستعمال: هو فعل يخرج به المتهم المحرر المزور من حالة السكون و السلبية إلى مجال التعامل و الاحتجاج، و أفعال الاستعمال عديدة تكاد لا تقبل حصرا و لقاضي الموضوع سلطة الفصل فيما إذا كان الفعل يعتبر استعمالا أو لا يعتبر كذلك.

       يتحقق الاستعمال بتقديم الشهادة المدرسية المزورة إلى هيئة يريد المتهم أن يحصل على وظيفة فيها، أو السند المزور إلى شخص لابتزاز ماله، أو العقد المزور إلى مكتب الشهر العقاري لتسجيله أو السند المزور إلى القضاء لتدعيم موقف إتخذ لديه، أو إذن البريد المزور إلى مكتب البريد لصرف قيمته.

       إن فعل الاستعمال يستوجب توافر الشروط الآتية لتحققه:
فيتعين أن تتوافر لدى الاستعمال الصفة الإرادية بحيث لا يعد استعمالا أن يكره شخص على إبراز محرر مزور، فإذا ضبط المحرر المزور في حوزة المتهم، فإدعى صحته أثناء التحقيق معه فلا يعد ذلك استعمالا، ولا يتحقق الاستعمال كذلك بتقديم المحرر المزور استجابة لأمر القاضي أو المحقق.

       تفترض فكرة الاستعمال إبراز المحرر المزور، إذ هي تعني الاستعانة بالبيانات يتضمنها للتأثير على الغير، و حمله على التصرف على نحو معين، أما إذا لم يبرز المتهم المحرر، و إنما اقتصر على ذكره و الاشارة إلى أنه يدعم موقفه، فلا يعد ذلك استعمالا و مثال ذلك: أن يضع شخص يده على عقار مستندا إلى عقد مزور، اقتصر على ذكره دون إبرازه أو تقديمه لأحد، لا يسأل عن استعمال محرر مزور.

       لا يكفي لتحقق الاستعمال مجرد تقديم المحرر، بل يتعين الاحتجاج به        و التمسك به لتحقيق غرض معين.
        و يتم الركن المادي لجريمة استعمال المحرر المزور بمجرد الاحتجاج بالمحرر المزور، و من ثم لا يمس كيانها أن يعدل المتهم عن التمسك بالمحرر أو ألا يتحقق له غرضه من الاحتجاج به.
       2 المحرر المزور: لا تقوم جريمة استعمال المزور إلا إذا ثبت تزوير المحرر الذي استعمله المتهم، فإذا لم يتضمن المحرر تغييرا للحقيقة، أو كان هذا التغيير بطريقة لم ينص القانون عليها، أو لم يكن من شأنه إحداث ضرر كما لو كانت الورقة مجردة من قوة الإثبات، فلا عقاب على الاستعمال إذا عوقب المستعمل على تزوير المحرر.
         و لا يتطلب القانون لاستكمال جريمة استعمال المحررات المزورة أركانها توافر القصد ثم ارتكب فعل الاستعمال و اقترن به القصد المتطلب في جريمة الاستعمال عوقب المستعمل على الرغم من تبرئة المزور مثال ذلك: أن يصطنع شخص كمبيالة لمجرد توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون فيها أو لإثبات براعته في تقليد إمضاء المسحوب عليه و تكون نيته منصرفة عن استعمالها، و لكنها تؤدي بعد ذلك إلى حيازة من يستعملها مع علمه بتزويرها، و تفسير ذلك أن إجرام المزور مستقل عن إجرام المستعمل الذي يستمده من قصده لا من قصد المزور.
الركن المعنوي:
       القصد الجنائي: جريمة استعمال المحررات المزورة جريمة "عمدية" و لذلك يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي بمعنى أن المستعمل يعلم بتزوير المحرر و اتجاه إرادته إلى تحقيق غرض معين، و يجب أن يثبت العلم اليقيني لديه بالتزوير، فلا يكفي مجرد تمسكه بالورقة المزورة و احتجاجه بها، إذ من المتصور التمسك بها على الرغم من الجهل بتزويرها.
و لكن إذا كان المستعمل هو المزور نفسه، و ثبت توافر قصد التزوير لديه، فإن منطق الأمور يفيد بالضرورة علمه بتزوير المحرر و توافر القصد المتطلب في جريمة الاستعمال، و إذا انتفى العلم بالتزوير لدى المستعمل.
       كذلك إذا لم تتجه إرادته إلى استعماله لتحقيق غرض معين إذا كان محتفظا به منصرفا عن إبرازه، و لكنه سرق منه و استعمله السارق، فلا ينسب إليه القصد.
       و القصد المتطلب في جريمة استعمال المحررات المزورة قصد عام، ولا عبرة بالبواعث التي دفعت المتهم إلى الاستعمال، فإن كانت غير شائنة كإعانة صاحب حق على اقتضاء حقه فلا يحول ذلك دون توافر القصد لديه.


عقوبة الجريمة: جريمة استعمال الورقة المزورة هي جناية عقوبتها السجن من 5 إلى عشر سنوات المادة 218 من قانون العقوبات الجزائري.