جرائم إفشاء أسرار التحقيق

جرائم إفشاء أسرار التحقيق

النص القانوني:
       1 المادة 301/1 ق.ع: " يعاقب بالحبس من شهر (01) إلى ستة (06) أشهر و بغرامة من 500 إلى 5000 دج الأطباء و الجراحون و الصيادلة والقابلات و جميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلي بها إليهم و أفشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها و يصرح لهم بذلك."

       2 المادة 11 ق.إ.ج : " تكون إجراءات التحري و التحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك و دون المساس بحقوق الدفاع.

       و كل شخص يساهم في هذه الإجراءات ملزم بكتمان السر المهني بالشروط المبينة في قانون العقوبات و تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها فيه ".

       غير أنه تفاديا لانتشار معلومات غير كاملة أو غير صحيحة أو لوضع حد للإخلال بالنظام العام، يجوز لممثل النيابة العامة دون سواه أن يطلع الرأي العام بعناصر موضوعية مستخلصة من الإجراءات على أن لا تتضمن أي تقييم للاتهامات المتمسك بها ضد الأشخاص المتورطين.

       3 المادة 85   ق.إ.ج : " يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 2000 إلى 20.000 دج كل من أفشى أو أذاع مستندا متحصلا من تفتيش لشخص لا صفة له قانونا في الإطلاع عليه و كان ذلك بغير إذن من المتهم أو من خلفه أو الموقع بإمضائه على المستند أو الشخص المرسل إليه و كذلك كل من استعمل ما وصل إلى علمه منه ما لم يكن ذلك من ضرورات التحقيق القضائي".

       و يستخلص من هذه النصوص أن القانون جرم إفشاء الأسرار المتوصل إليها بحكم الوظيفة أو المهنة أو الواقع، و يعنينا هنا جرائم الإفشاء الخاصة بإجراءات التحري و التحقيق في جريمة و المعلومات أو المستندات المتوصل إليها في إطار هذه الإجراءات و كذا جرم استعمال محتوى مستند ضبط في عملية تفتيش.

       و عليه سنتناول أولا جريمة إفشاء أسرار التحقيق ثم جريمة استعمال محتوى مستند متحصل من عملية تفتيش.

أولا:جريمة إفشاء سر إجراءات التحري و التحقيق :
       1 أركان الجريمة: تعرف جريمة إفشاء الأسرار بصفة عامة بأنها  تعمد الإفضاء بسر من شخص اؤتمن عليه بحكم عمله أو مهنته أو وظيفته في غير الأحوال التي يلزمه فيها القانون أو يبيح له الإفضاء به، و منه يستخلص أن الجريمة تقوم على ثلاثة أركان هي: الركن المفترض و هو صفة المؤتمن على السر         و الركن المادي و هو فعل إذاعة أو إفشاء السر، و أخيرا الركن المعنوي  أو القصد الجنائي لدى الجاني.

1 1 الركن المفترض : صفة الجاني.و هو في جريمة إفشاء سر إجراءات التحري و التحقيق مجموع الأشخاص الذين باشروا الإجراءات بحكم وظيفتهم أو ساهموا فيها بهذه الصفة سواء أمروا أو أمروا بالقيام بها أو كان لهم دخل بحكم الوظيفة في معرفة تلك الإجراءات و هؤلاء ملزمون أصلا بموجب القوانين الأساسية لوظائفهم بواجب السرية، و هم في جريمتنا على وجه الخصوص ضباط و أعوان الشرطة القضائية عن الإجراءات التي اتخذت خلال التحريات أو بصدد تنفيذ الإنابات القضائية أو تنفيذ تعليمات النيابة و عن الإفادات التي تلقوها من الأطراف أو النتائج المتوصل إليها من إجراءات التحري، و يضاف إلى هؤلاء قضاة النيابة بالنسبة للبلاغات التي تصلهم  و التعليمات التي يوجهونها و كتابهم الذين اطلعوا عليها، و قضاة التحقيق و أعضاء غرفة الاتهام و كتابهم عن الأسرار التي تتضمنها محاضر التحري و الإجراءات المرفقة بها فضلا عن الإجراءات التي أمروا بها أو ساهموا في اتخاذها و لو بطريق الإنابات القضائية، إلى جانب ما يتلقونه من إفادات أو تصريحات من الأطراف و الشهود و مختلف النتائج المتوصل إليها خلال التحقيق من خلال تقارير الخبراء عما أوكل إليهم من مهام، و الأطباء المندوبين للتشريح أو الفحص، و يدخل في هذه الفئة أيضا كتاب النيابة حين يطلعون على ملف التحقيق بصدد إبلاغات أوامر قاضي التحقيق بحكم عملهم و كتاب مصلحة الجدولة في المحكمة و كتاب محكمة الجنايات حين يصدر أمرا أو قرارا بالإحالة و كذلك قضاة الحكم، و ذلك لأن السرية تلازم الإجراءات إلى غاية مناقشتها في جلسة المحاكمة   و كذلك موظفي إدارة البريد و البرق عن محتوى المراسلات (الفاكس) و البرقيات التي ترسل من أو إلى الجهة المكلفة بالتحقيق عن طريقهم ما لم يشكل ذلك جريمة أشد ( م 137 ق.ع)، و كذلك موظفي مؤسسة إعادة التربية بالنسبة للأوامر و الإجراءات التي تبلغ للمحبوس بمعرفتهم.

       أما الفئة الثانية فهم أصحاب المهن الذين عهد إليهم في أية مرحلة من مراحل التحري أو التحقيق القيام ببعض الأعمال الفنية اللازمة كالأطباء و الخبراء و هؤلاء ملزمون بكتمان ما ساهموا به من أعمال و بكتمان ما اطلعوا عليه من إجراءات لضرورات إنجاز المهام المسندة لهم، و تشمل هذه الطائفة أيضا المحامين الموكلين للدفاع عن الأطرف و الذين أباح لهم القانون الاطلاع على ملف الإجراءات         و الاحتفاظ بصورة منها إلا باتجاه موكليهم بما يتطلبه ممارسة حقوق الدفاع دون أن يصل ذلك إلى تمكين الموكل بصورة من كل أو بعض أوراق الإجراءات          ( م 68 مكرر ق.إ.ج ).

و الفئة الأخيرة من الفئات التي ذكرتها المادة 301 ق.ع و ينطبق عليها ما نصت عليه المادة 11 ق.إ.ج هي كل شخص اؤتمن على سر من أسرار التحقيق أو ساهم فيه بحكم الواقع دون أن يكون ذلك في إطار ممارسة الوظيفة أو أداء متطلبات المهنة، و من أمثلة المؤتمنين على سر الإجراءات بحكم الواقع من يطلب منه تصوير نسخة من أوراقها و كتاب المحامين عن النسخة التي تكون بحوزة المحامي في مكتبه و مساعدي الخبراء و أعوانهم بنتائج الخبرة، و من أمثلة المساهمين فيها الشخص الذي يقوم بدور الضحية في إعادة تمثيل جريمة القتل و الجار و الشهود الذين يحضرون إجراءات تفتيش مسكن أو صاحب المسكن الذي وقع تفتيشه.

و يستوي بالنسبة للموظفين أن يكونوا مرسمين دائمين أو مؤقتين، و كذلك الشأن بالنسبة لأصحاب المهن و لو ساهموا في أي إجراء من إجراءات التحقيق كحضور محام وكيل أحد الأطراف إجراءات معاينة أو إعادة تمثيل جريمة ثم سحب توكيله بعد ذلك، أو اطلاع خبير معين عن بعض وثائق الإجراءات و لم ينجز الخبرة المطلوبة كليا أو جزئيا لأي سبب كان.

1 2 الركن المادي: إفشاء أو إذاعة السـر:و السر هو كل معلومة يحمي كتمانها مصلحة التحري أو التحقيق، أما الإفشاء أو الإذاعة فهو كل عمل يترتب عنه إخراج تلك المعلومة من دائرتها المحدودة في الأشخاص المؤهلين       و المباح لهم قانونا الاطلاع عليها و توصيلها إلى الغير سواء تم ذلك بطريق القول أو الكتابة أو النشر أو الإشارة أو النسخ  أو التصوير مهما كانت الوسيلة المستعملة في ذلك و لو لم يكن مفشي و مذيع السر يقصد ذلك كأن يكون الغرض منه علميا عن طريق النشر في الصحافة  أو التحدث به في محاضرة.

       و يشكل  إفشاء سر إجراءات التحري أو التحقيق أو المستند المتحصل من تفتيش جريمة سواء أفشي أو أذيع كليا أو جزئيا لجماعة من الأشخاص أو لشخص واحد معروفا أو مجهولا من الجاني و مهما كانت درجة قرابة أو سلطة المفضي له بالسر على الجاني و لو اشترط عليه الكتمان، بل أكثر من ذلك يعد إفشاء للسر التبليغ عنه أو الشهادة به في غير الأحوال التي يأمر أو يأذن بها القانون صراحة بل و حتى في هذه الحالة إذا أمكن الإفادة بالسر دون إبقائه مرتبطا بالوقائع محل التحري أو التحقيق عدا التعمد في إظهار هذه الصفة إفشاء للسر.

و تبقى المعلومات المتصلة بإجراءات التحري و التحقيق سرية و لو كانت الشائعات تدور حولها و لكنها تفتقد إلى تأكيدها رسميـا.

و إلى جانب إحاطة إجراءات التحري و التحقيق بالسرية أعطى المشرع أهمية خاصة للمستند المتحصل من التفتيش إذا ألزم كل من ضبط مستندا خلال التفتيش أو وصل إليه بعدها بحكم وظيفته أو اطلع عليه بحكم مهنته بكتمان و عدم إفشاء ما يحتويه من معلومات أو إذاعتها إلا في ظروف و بشروط محددة. و إذا كان القانون في المادة 11 ق.إ.ج قد أحاط كل الإجراءات بالسرية سواء كانت أقوالا أو أوامر أو محاضر مكتوبة أو خططا أو غيرها من الإجراءات واستثنت المادة 11 الفقرة (3) إ ج ج البيانات و التوضيحات التي يخطر بها ممثل النيابة، الرأي العام حتى يقطع الإشاعات المتداولة عن قضية ما في مرحلة التحري و قبل استكمال ملف القضية، فإن المادة 85 ق.إ.ج حرصت على ورقة معينة في تلك الإجراءات و هي المستند التي تعني الوثيقة و معناها الورقة المكتوبة دون غيرها من الأشياء التي يمكن حجزها في إطار عملية تفتيش.

أ زوال السرية عن الإجراءات و المستندات: تزول صفة السرية بخروج الإجراءات و المستندات إلى العلنية بطرحها  و مناقشتها في الجلسة سواء كانت سرية أم علنية لأن جميع الأطراف يطلعون عليها و يحاطون بها علما و يواجهون بها، كمواجهة المتهم بالشهود و تصريحاتهم و مواجهة الشهود فيما بينهم أو بأحد الأطراف و مناقشتهم على ضوء نتائج الخبرة و المعاينات المادية، كما أن حضور بعض الأشخاص الجلسة إن كانت سرية أو كونها علنية يفقد الإجراءات أو محتوى المحاضر أو المستند طابعها السري لأن هدف السرية يكون قد تحقق بوصول الإجراءات إلى طور المحاكمة، غير أن الأمر يبقى سريا إذا تقرر حفظ الإجراءات من طرف النيابة أو صدور أمر أو قرار بانتفاء وجه الدعوى سيما في حالات بقاء الفاعل مجهولا أو لعدم كفاية الأدلة لأن الإجرائين المذكورين ( الحفظ و الانتفاء ) ليسا نهائيين، إذ قد ترجع النيابة عن قرارها كما قد تطرأ مستجدات بعد أمر انتفاء وجه الدعوى فتبادر النيابة بإعادة فتح التحقيق القضائي فيشمل السر حينئذ الإجراءات السابقة و اللاحقة، و في جميع الأحوال تبقى مختلف الإجراءات        و المحاضر الخاصة بالتحري و التحقيق و المستندات المتحصلة من عملية التفتيش تحت طي السرية و تلتزم الطوائف المذكورة بالكتمان إلى أن يتقادم آخر إجراء في التحري أو في التحقيق حسب المدة التي يقررها القانون للجريمة التي تمت فيها تلك الإجراءات، حيث يبقى هؤلاء ملزمون بالسرية طيلة تلك المدة حتى و لو أنهيت مهامهم أو تم نقلهم أو تخلوا عن الإجراءات لغيرهم.
و لا يفوتنا أخيرا الإشارة إلى أنه يشترط في قيام جريمة إفشاء أو إذاعة المستند المتحصل من التفتيش أن يكون التفتيش واقعا وفق إجراءات سليمة و في المواعيد المحددة إذا تم في مسكن و من الأشخاص المؤهلين قانونـا.

ب أسباب الإباحة: نصت المادة 11 ق.إ.ج
 أولا: أن كتمان سر التحقيق لا يجوز أن يمس بحقوق الدفاع و من ثم يعد مباحا تمكين محامي أحد الأطراف من الاطلاع على ملف التحقيق بكل مشتملاته   و له الحق في تصويره بكامله أو جزء منه (م 68 مكرر ق.إ.ج)، غير أن هذا الحق يكون في مرحلة التحقيق القضائي و لا يشمل المرحلة التي تكون فيها الإجراءات في طور التحري إذ تبقى سرية إلا على ضابط الشرطة القضائية الذي يباشرها و مساعديه .

ثانيا: وكيل الجمهورية ممثل النيابة يخول له قانونا المادة 11 الفقرة (3) إ ج ج تقديم توضيحات للرأي العام عن القضية حتى يتبين الصح من الخطأ في الإشاعات المتداولة بين الموطنين، و جرى العمل أن أعمال ضابط الشرطة القضائية و مساعديه الذين يكونون ملزمين بالسر تجاه رؤسائهم السلميين فإن وكيل الجمهورية مأذون له قانونا إباحة أسرار التحري و التحقيق لرئيسه النائب العام      و هذا الأخير لوزير العدل ( م 30 إلى 32 ق.إ.ج ) سواء بإحاطتهم علما بالإجراءات و مضمونها و ما لها في أية مرحلة أو إفادتهم بنسخة منها.

أما بالنسبة للمستند المتحصل من التفتيش فإن المادة 85 ق.إ.ج فضلا عن إباحتها فضه لضرورات التحقيق القضائي ( دون الأولي) فإنها أباحت لغير ذي الصفة الاطلاع عليه و ذوي الصفة هنا هم القائمون بالتفتيش و المشرفون عليه بإذن من المتهم أو من خلفه أو الموقع بإمضائه على المستند أو المرسل إليه.

و واضح أن هذا الإذن يمكن أن يصدر بعد تحريك الدعوى العمومية لأن مصطلح (المتهم) الوارد في النص لا يطلق إلا بعد تحريك الدعوى العمومية و أن يكون للمستند صلة بالتهمة المتابع بها هذا المتهم و لو لم يكن المستند متحصلا من تفتيشه هو أو تفتيش محله أو سيارته أو مسكنه، و الإذن بالاطلاع لا يعني إخراج المستند إلى العلن بل يترتب عنه توسيع للفئة المشمولة بكتمان سر المستند حيث يلزم من اطلع عليه بكتمان السـر.

و غني عن البيان أن السرية تلحق المستند من وقت ضبطه و يلزم الأشخاص الذين ضبطوه أو اطلعوا عليه من ذلك الوقت و لا يشمل هذا الالتزام الأشخاص الذين سبق لهم الاطلاع عليه قبل ضبطه.

1 3 الركن المعنوي: القصد الجنائي: جريمة إفشاء سر إجراءات التحري و التحقيق أو محتوى مستند متحصل من تفتيش جريمة عمدية و من ثم فإن الإهمال أو عدم الاحتياط من جانب المؤتمن على سر التحري أو التحقيق أو أي عمل يدخل في إطارهما و الذي أدى إلى اطلاع الغير عليه لا يشكل جريمة، إنما قانون العقوبات يعرف في الجرائم العمدية نوعين من القصد هما القصد العام        و معناه أن الجاني يعلم أن المعلومات أو الوثائق التي بحوزته تتعلق بإجراءات التحري في جريمة أو بالتحقيق فيها و يعلم أن القانون يلزمه بكتمانها و مع ذلك يتعمد  إذاعتها أو إفشائها إلى الغير،  و النوع الثاني هو القصد و معناه علم الجاني بعناصر القصد العام كما أوضحناها آنفا و تعمد إذاعة أو إفشاء ذلك السر بنية الإضرار بحسن سير التحقيق أو إضرارا بالأطراف.

و بالرجوع إلى المواد محل الدراسة يتضح أن جريمتنا تقوم بتوافر القصد العام لدى الجاني لأن الهدف من إحاطة إجراءات التحري و التحقيق و مستنداتها بالسرية هو المحافظة على المبدأ الأساسي المنصوص عليه في الفقرة الأولى المادة 11 ق.إ.ج و بذلك يعتبر مجرد إفشاء السر إلحاق  ضرر بالإجراءات سواء كان لدى الجاني وراء ذلك قصد معين أم لم يوجد.

2 العقوبة: انطلاقا من نص المادة 11 .ق.إ.ج و 301 ق.ع يتضح أن جريمة إفشاء سر الإجراءات الخاصة بالتحري و التحقيق القضائي الابتدائي جنحة مثلها مثل إفشاء و إذاعة سر مستند متحصل من التفتيش المنصوص عليها في المادة 85 ق.إ.ج غير أن العقوبة مختلفة في الأولى عن الثانية.
2 1 عقوبة جريمة إفشاء سر إجراءات التحري أو التحقيق القضائي الابتدائي: و تتضمن عقوبة سالبة للحرية هي الحبس من شهر (01) إلى ستة (06) أشهر إلى جانب الغرامة المالية من 500 دج إلى 5000 دج.

2 2 عقوبة جريمة إفشاء أو إذاعة مستند متحصل من تفتيش:و وفقا للمادة 85 فعقوبتها الحبس من شهرين (02) إلى سنتين (02) إلى جانب غرامة مالية من 2000 إلى 20.000 دج .

و أخيرا أشير بالنسبة لهذه الجريمة أن نص المادة 85 ق.إ.ج في قانون الإجراءات الجزائية بموجب نص المادة 46 ق.إ.ج و هذا تزايد لا فائدة منه         و حري بالمشرع التدخل بإلغاء نص المادة 46 تفاديا لإشكالية ازدواجية النص في نفس القانون فضلا عن أن المادة 85 أشمل و أدق لمعالجة الموضوع من نص المادة 46.

ثانيا: جريمة استعمال محتوى مستند متحصل من عملية تفتيش :النص القانوني:( المادة 85 ق.إ.ج الجملة الأخيرة ).و سندرس هذه الجريمة ببيان أركانها ثم العقوبة المقررة لها.

1 أركان الجريمة: و هي تقوم على ثلاثة أركان هي :
الركن المفترض: العلم بمصدر المستند.
الركن المادي: استعمال محتوى المستند.
الركن المعنوي: القصد الجنائي.

1 1 الركن المفترض: العلم بمصدر المستند: فيجب أن يكون مستعمل المستند أو محتواه عالما وقت الاستعمال بأن المعلومات التي هو بصدد استغلالها    و استعمالها آلت إليه سواء بحكم وظيفته الدائمة أو المؤقتة أو مهنته أو بحكم الواقع، أو آلت إليه عن طريق أحد هؤلاء أو شخص وسيط. و المقصود بالمستند كما أسلفنا هو الوثيقة المكتوبة رسمية كانت أو عرفية محررة بالطباعة أو بخط اليد، صادرة عن هيئة أو مؤسسة أو أي شخص طبيعي موقعة أو غير موقعة.
أما إذا كانت المعلومات التي يستعملها تحصل عليها من نسخة أو صورة نفس المستند قبل أن تتم عملية التفتيش أو من شخص كانت لديه تلك المعلومات         و لم يحصل عليها بوصفه من الملزمين بكتمان سر الوثيقة فلا تقوم الجريمة و كذلك لا تقوم الجريمة إذا حصل المستعمل على المعلومات محتوى الوثيقة من شخص لا يعلم هو أي المستعمل أن هذا الشخص من المعنيين بكتمان محتوى المستند لكونه متحصلا من تفتيش، و معنى هذا أنه إذا ارتكب المؤتمن جريمة إفشاء معلومات تضمنها مستند متحصل من تفتيش فلا تقوم جريمة مستعملها إلا إذا كان الأخير يعلم أن الذي أفضى له بذلك السر أخل بواجبه بكتمانه.

و يتترتب على ما تقدم أن الجريمة لا تقوم لمجرد ثبوت استعمال محتوى المستند من طرف المستعمل بل يجب على النيابة أن تثبت أن المعلومات المستعملة وصلت إليه من المستند المحجوز في عملية تفتيش و من شخص مؤتمن عليه،       و معنى هذا أن جريمتنا تتطلب قيام الجريمة الأصلية و هي جريمة إفشاء أو إذاعة محتوى مستند متحصل من عملية تفتيش التي سبق دراستها تماما كما هو الحال في جريمة إخفاء المسروقات بالنسبة لجريمة السرقـة.

1 2 الركن المادي: استعمال محتوى المستند.

و يقصد بالاستعمال هنا كل طرق الاستعمال مشروعة كانت أو غير مشروعة، و إذا كان النص قد نص صراحة على منع استعمال محتوى المستند فمن باب أولى يكون استعمال صورة المستند محرما أيضا، و يستوي أن يكون استعمال المستند أو محتواه لغرض مشروع أو لغرض غير مشروع سواء للاحتجاج به اتجاه الأشخاص أو الهيئات و المؤسسات، أو قصد الحصول على فوائد أو للأضرار بالغير أو دون أن يقصد ذلك، و يشمل الاستعمال الاتجار بصورة المستند أو محتواه أو الحصول به على أية منافع له أو للغير في أية صفقة  و الهدف من كل هذا هو منع الإفادة من معلومات ثم الحصول عليها بطريق غير مشروع.

و استعمال صورة أو محتوى وثيقة متحصلة من عملية تفتيش يبقى محظورا مهما كان مآل إجراءات التفتيش بعد ذلك، بل حتى و لو نزعت صفة السرية على المستند أي سواء استعملت المعلومات التي تضمنها المستند أو صورته خلال مرحلة التزام مسربها بالسرية أو بعد زوال هذا الالتزام أو لم تستعمل، أي أن تحرر الملتزم بالسرية لا يترتب عنه الإباحة في استعمال محتوى المستند أو صورته، فإذا قرر وكيل الجمهورية مثلا حفظ الإجراءات أو صدر أمر أو قرار بانتفاء وجه الدعوى    و مرت على ذلك مدة التقادم المقررة للجريمة الأصلية فهذا لا يعني أن استعمال المستند المتحصل من العملية التي صدرت بشأنها القرارات المذكورة صار مباحا، ذلك أن جريمة الاستعمال جريمة مستقلة تخضع لتقادم مستقل يبدأ حسابه من تاريخ الاستعمال أو تاريخ العلم بالاستعمال، و كأننا هنا بصدد تحقيق القول المأثور        " مالا يدرك كله لا يترك كله" فإذا لا يعني التجاوز عن استعماله، و عليه يمكن متابعة مرتكب جريمة الاستعمال منفردا عن مرتكب جريمة إفشاء أو إذاعة المستند إذا أدرك التقادم جريمة هذا الأخير.

1-3 الركن المعنوي: القصد الجنائي.

جريمة استعمال محتوى مستند متحصل من عملية تفتيش مثل جريمة إفشائه أو إذاعته جريمة عمدية و يكفي لقيامها و جود القصد الجنائي العام لدى الجاني ولا يشترط لها قصد خاص  أي نية الإضرار بالغير، أو بالإجراءات التي فيها حجز المستند، و لذلك قلنا أن جريمة استعمال محتوى المستند جريمة مستقلة و لا علاقة لها بمصير الجريمة التي ضبط فيها و إجراءاتها.

و نشير أخيرا إلى أن جريمتنا لا تقوم إذا كان الغرض من استعمال محتوى المستند يدخل ضمن إجراءات التحقيق القضائي و متطلباته لا ضمن التحريات الأولية.

2- عقوبة الجريمة: جريمة استعمال مضمون مستند متحصل من عملية تفتيش جنحة قررت لها المادة 85 ق إ ج نفس عقوبة إفشاء أو إذاعة المستند المتحصل من تفتيش، أي الحبس من شهرين (02) إلى سنتين (02) و الغرامة من 2000 إلى 20.000 دج.

و نلاحظ أخيرا أن جريمة استعمال محتوى المستند المتحصل من تفتيش هي العنصر الوحيد المميز بين نص المادة 46 ق إ ج و نص المادة 85 ق إ ج .