المساهمة في الجريمة

المساهمة في الجريمة و الإشتراك
 و الإشتراك في الإشتراك

 يقصد بالمساهمة في الجريمة أن يرتكبها أكثر من شخص واحد و يكون لكل منهم دور معين يساهم به في تنفيذها. و قد تكون المساهمة مباشرة و يسمى المساهم في هذه الحالة فاعلا أصليا، و قد تكون هذه المساهمة غير مباشرة و يسمى المساهم في هذه الحالة شريكا، و سنرى فيما بعد كيفية التمييز بين الفاعل الأصلي   و الشريك و مدى العقوبة التي يقررها القانون لكل منهم و هل يتساويان فيها أم يختلفان.

وقد عرف قانون العقوبات الجزائري الفاعل الأصلي في الجريمة في المادة (41) منه و تنص على ما يأتي ( يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على إرتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة إستعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي.

كما عرف الشريك في المادتين (42 و 43) منه فنصت المادة (42) على ما يأتي: يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك إشتراكا مباشرا فيها. و لكن ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على إرتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة مع علمه بذلك.

كما نصت المادة (43) على ما يأتي: يأخذ حكم الشريك من إعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا للإجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.

الفاعل الأصلي في الجريمة: يشترط قانون العقوبات الجزائري لإعتبار الجاني فاعلا أصليا في الجريمة أن يساهم فيها مساهمة مباشرة، و لكن ما هي صورة هذه المساهمة المباشرة و ما هو المعيار الذي يميز بينهما و بين المساهمة الأخرى التي لو قام بها الجاني لا يعتبر فاعلا أصليا بل يكون مجرد شريك. هذه المساهمة المباشرة قد تتخذ عدة صور.

الصورة الأولى: أن يساهم الجناة المتعددون في إرتكاب الفعل الواحد أو الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي للجريمة كما لو توجه ثلاثة إلى منزل المجني عليه لسرقة محتوياته فحطموا بابه معا أو أحدهم و لآخرون واقفون أمامه لفتحه     و جمعوا المسروقات ولاذوا بالفرار. فهؤلاء الثلاثة يعتبرون فاعلين أصليين في جريمة السرقة دون أدنى صعوبة و دون توجه إلى إجتهاد. بالمثل في جريمة القتل إذا توجه الجانيان للمجني عليه و أطلق كل واحد منهما عيارا ناريا أو إنهالا عليه بآلة حادة حتى أردياه قتيلا فكلاهما يعتبر فاعلا أصليا في جريمة القتل.

الصورة الثانية: فهي التي تدق فيها التفرقة بين الفاعل الأصلي و الشريك حيث يقوم بعض الجناة بإرتكاب الفعل المادي للجريمة و يساهم الآخرون فيها مساهمة مباشرة بالقيام بأدوار رئيسية، و مثل ذلك إذا أراد لصان سرقة منزل فتقدم أحدهما و كسر قفل الباب ووقف بالخارج لمراقبة الطريق ثم دخل الثاني و جمع المسروقات و إنصرف، و كذلك في جريمة القتل إذا أمسك أحد الجناة بالمجني عليه لشل مقاومته ثم أنهال عليه الآخر طعنا بالسكين حتى فارق الحياة أو إذا أوقف أحدهما سيارة المجني عليه ليمكن زميله الآخر من إطلاق الرصاص على قائدها    و قتله. ففي هاتين الحالتين يعتبر قانون العقوبات الجزائري كل من هذين الشخصين فاعلين أصليين في جريمة السرقة في الحالة الأولى و فاعلين أصليين في جريمة القتل في الحالة الثانية رغم أن كسر القفل لا يدخل في الركن المادي للسرقة كما أن إيقاف السيارة أو إمساك المجني عليه لا يدخلان أيضا في الركن المادي لجريمة القتل إلا إنهما يمثلان أهمية كبرى و أكثر في حالات أخرى كمن يقف لمراقبة الطريق أثناء القيام بإرتكاب سرقة أو من حفر حفرة لدفن المجني عليه.

و كذلك من يقوم بتلهية حارس البناء ليسهل لزملائه الدخول خفية و سرقة ما فيه فهل يعتبر مثل هؤلاء الأشخاص فاعلين أصليين أم شركاء ؟.

إزاء ذلك كان لابد من وضع معيار للتفرقة ما بين الأفعال التي إذا إرتكبها الجاني يعتبر فاعلا أصليا و بين الأفعال الأخرى التي إذا إرتكبها إعتبر مجرد شريك. فما هو هذا المعيار إذن؟.

تتناوع هذا المعيار نظريتين:
1)- النظرية الشخصية. 2)- النظرية الموضوعية.

أولا: النظرية الشخصية: و هذه النظرية لا يهتم أصحابها كعادتهم بالفعل المادي و مدى خطورته و أثره في تنفيذ الجريمة و إنما يرون أن التفرقة بين الفاعل الأصلي و الشريك هي حسب إرادة كل منهما. فالفاعل الأصلي تتجه إرادته إلى أن يكون هو سيد الجريمة و هو ينظر إليها بإعتبارها مشروعه الخاص        و زملاء و مجرد إتباع له يعملون لحاسبه في تنفيذها و أما الشريك فلا تكون له سوى إرادة الإشتراك في مشروع غيره، و هو يعتبر نفسه مجرد مساعد للفاعل الأصلي عاملا لحسابه تابعا لإرادته و يعاب على هذه النظرية فضلا عن إهمالها للفعل الذي يرتكبه الفاعل و مدى خطورته و الدور الرئيسي الذي يقوم به فإنها عجزت عن تقديم معيار مناسب بل و بإزداد الأمر صعوبة حين جعلت التمييز بين فعل الفاعل الأصلي و فعل الشريك متوقف على النية الإجرامية لكل منهما و هو أمر من العسير تحديده.

ثانيا: النظرية الموضوعية: و يرى أنصار هذه النظرية أنه يتعين للتمييز بين فعل الفاعل الأصلي و فعل الشريك ضرورة النظر إلى الفعل الذي قام به الجاني    و مدى خطورته و مساهمته المباشرة في إحداث النتيجة و على ذلك فالفعل الأكثر مساهمة في تحقيق الجريمة يعتبر مرتكبه فاعلا أصليا و الأقل مساهمة يعتبر مرتكبها شريكا، و للتفرقة بين الأفعال الأكثر مساهمة و الأقل مساهمة في الجريمة إتخذ أصحاب هذه النظرية معيار الأفعال التنفيذية للجريمة و يظهر هذا المعيار في تحديد ووضوح فيما يأتي: و هو أنه إذا كان الفعل الذي إرتكبه الجاني يعد شروعا في الجريمة إذا لم تتم فإن هذا الفعل يجعله فاعلا أصليا فيها إذا تمت أما إذا كان فعل الجاني مجرد عمل تحضيري فأنه يجعله فقط مجرد شريك وقد أخذ قانون      العقوبات الجزائري بهذا المعيار و تطبيقه على الأمثلة السابقة يمكن إعتبار الشخص الذي كسر قفل الباب للمحل المراد سرقته فاعلا أصليا. كما يعتبر أيضا الشخص الذي أمسك بالمجني عليه ليمكن زميله إغماد سلاحه في جسمه و قتله فاعلا أصليا أيضا في القتل، لأن عمل كل منهما يعتبر شروعا في الجريمة إذا لم تتم و كذلك إذا أطلق شخصان كل منهما عيارا ناريا على المجني عليه ففرى قتيلا     و تبين أنه لم يصب إلا من عيار واحد لم يعرف من هو الذي أطلقه فإن كلاهما يعتبر فاعلا أصليا في الجريمة لأن صاحب العيار الطائش يعتبر شارعا في جريمة القتل العمدي إذا لم تكون قد تمت ولذا فهو فاعل أصلي فيها بعد تمامها و هكذا و غنى عن البيان أنه يجب لإعتبار فعل الجاني مساهمة مباشرة في الجريمة        و بالتالي إعتباره فاعلا أصليا فيها أن يتجه قصد الجاني إلى إرتكابها مع علمه بها   و بعناصرها القانونية و أن تكون هناك علاقة سببية بين عمله الذي إرتكبه و بين النتيجة و أن يكون موجودا على مسرح الجريمة وقت وقوعها حتى يعتبر فعله مساهمة شخصية و مباشرة في إرتكابها.

فمثلا: إذا إتفق شخصان على سرقة حانوت و ذهب أحدهما في اليوم السابق على السرقة و كسر قفل الباب و في اليوم التالي ذهب زميله إلى المحل و سرق محتوياته فإن من قام بكسر قفل الباب لا يعتبر فاعلا أصليا بل يعتبر شريكا بالمساهمة لأن مساهمته في التنفيذ لم تكن مباشرة ولم يكن على مسرح الجريمة وقت إرتكابها.

الصورة الثانية: خلق الفكرة الإجرامية و إصدارها إلى المنفذ المادي        و تعرف بالفاعل المعنوي أي التحريض على إرتكاب الجريمة و هو على نوعين إما فردي أو عام.

أ- التحريض الفردي: و يقصد به حمل و إغراء شخص أو أشخاص على إرتكاب الجريمة التحريض بإحدى الطرق التي نص عليها قانون العقوبات الجزائري في المادة (41) منه بحيث يؤثر هذا التحريض على إرادة الجاني و يحمله على إرتكاب الجريمة و بعبارة أخرى يجب أن يثبت أن الجريمة نتيجة مباشرة لهذا التحريض.

أ-1- الطرق التي نص عليها القانون فهي الهبة و الوعد و التهديد و سوء إستغلال السلطة و الولاية و التحايل و التدليس الإجرامي فأما الهبة: فمعناها أن يعطي المحرض إلى الجاني شيئا ذا قيمة بلا مقابل لقاء قيامه بقتل شخص معين أو سرقة مسكنه وقد تتخذ الهبة صورة مبلغ من النقود أيضا و أما الوعد فهو أن يعد المحرض الجاني بهدية سخية أو بإلحاقه بعمل أو بحل مشكلة مستعصية عليه أو ما إلى ذلك و التهديد على العكس من ذلك هو تخويف الجاني من أنه إذا لم يرتكب الجريمة التي يريدها المحرض فإنه سيحرق داره أو يخطف إبنه أو يتسبب في فصله من عمله أو ما إلى ذلك. و أما سوء إستغلال السلطة: فيتحقق مثلا في حالة تحريض الأب إبنه أو الرئيس مرؤوسه أو السيد خادمه بما لكل منهم من سلطة على إرتكاب جريمة معينة و يدخل في سوء إستغلال السلطة حالة المنوم المغناطيسي الذي ينوم الوسيط حتى يصير خاضعا لسلطته و أوامره ثم يأمره بإرتكاب جريمة ما و أما التحايل و التدليس الإجرامي فهما عبارة عن خداع الجاني مع إستغلال سذاجته كما لو أوهم شخص آخر بأن فلانا هو السبب في مرض إبنه بواسطة سحره أياه. و إنه لابد من قتله لنجاة الولد فقتله بناء على ذلك فإن المحرض يعتبر فاعلا أصليا بالتحريض و أخيرا فإن القضاء إعتبر إعطاء المحرض تعليمات إلى الجاني لإرتكاب الجريمة من قبل التحريض و قد يكون إعطاء التعليمات إلى الجاني مشفوعا بأية وسيلة من الوسائل الأخرى كالهدية مثلا أو الوعد أو الوعيد أو غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه.

أما مجرد إبداء المشورة أو النصيحة أو الإيحاء فإنه لا يرقي إلى مرتبة التحريض. كما لو عمد شخص إلى إيغار صدر الفاعل ضد زيد من الناس عن طريق التحريض و إلقاء بذور الحقد و الكراهية في نفسه بأن وصفه بأنه رجل فاسق جشع لا عمل له إلا جمع المال و إفساد أخلاق الشباب و أنه خطر على المجتمع الذي يعيش فيه و غير ذلك.فتأثر الفاعل بذلك و إتجه إلى زيد و قتله فإن الجريمة هنا تكون وليدة إرادة الفاعل المادي وحده دون الشخص الآخر المحرض الذي لا يعتبره القانون لا فاعلا معنويا و لا شريكا في مثل هذه الحالة.

أ-2- يجب أن يكون التحريض سابقا على إرتكاب الجريمة و إلا فإن جريمة الفاعل المعنوي تصبح لا وجود لها. كما لو قتل شخص آخر و صادفت هذه الجريمة قبولا و سرورا في نفس شخص ثالث لعداوة بينه و بين القتيل فصارع بتقديم هدية إلى الجاني فأنه لا يعتبر فاعل في الجريمة.

أ-3- يجب أن يكون التحريض مباشرا أي أن يكون قد ساهم في حدوث الفعل المعاقب عليه و من ثم فإن المحرض لا يعد فاعلا إذا ما ثبت أن الجريمة كانت و لا بد أن ترتكب الجريمة أو أعطاه سلاحا لإستخدامه فيها ثم أبلغه قبل إرتكابها بعدوله عن وعده أو سحب سلاحه منه و مع ذلك إرتكب الفاعل الجريمة.   و كما أن التحريض يجعل من المحرض فاعلا في الجريمة إذا تمت فإنه يجعله فاعلا فيها أيضا إذا وقفت عند حد الشروع.

و لكن ما الحكم إذا لم تقع الجريمة المحرض عليها أصلا ؟.

تنص بعض التشريعات الجزائية على عدم عقاب المحرض في هذه الحالة تأسيسا على أنه مادامت الجريمة لم تقع فعلا فليس ثمة جريمة و بالتالي لا يعاقب على المساهمة فيها.

أما قانون العقوبات الجزائري فقد نص على عقاب المحرض في هذه الحالة في المادة (46) منه و التي تنص على ما يأتي إذا لم ترتكب المزمع إرتكابها لمجرد إمتناع من ينوي إرتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب عليها رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة.

مساهمة الفاعل المعنوي لصفة أو شرط مع المنفذ المادي: و مؤدى هذا هو قيام جريمة المحرض حتى ولو تخلى الفاعل عن إرتكاب الجريمة المحرض عليه قبل الشروع فيها سواء كان تخليه في مرحلة الأعمال التحضيرية أو حتى قبلها     و ذلك لأن القانون الجزائري جعل من مساهمة الفاعل المعنوي جريمة مستقلة بذاتها عن جريمة الفاعل المنفذ ولا تستمد صفتها الإجرامية منها لأنه هو الذي خلق الفكرة الإجرامية و ليس المنفذ.

ب- التحريض العام: و هذا النوع من التحريض يكون موجها إلى الجمهور أو إلى طائفة من الناس وقد يكون منهم من هو سهل التأثر فيقدم على الجريمة المحرض عليها و التحريض العام يتفق مع التحريض الفردي أنه يعتبر فعلا أصليا مستقلا بذاته و يعاقب عليه القانون ولو لم يترتب على وقوع أية جريمة من الجرائم المحرض عليها. و هو أيضا لا يدخل تحت منطوق المادتين 41، 46 من قانون العقوبات الجزائري، بل أن هذه النوع من التحريض قد أفرد له القانون أحكاما خاصة في المواد من(62 إلى 64 ق ع ج ) و المادتين(77، 88 ق ع ج) و المادة (100 ق ع ج).

الشريك في الجريمة: قدمنا فيما سبق أن الفاعل الأصلي في الجريمة هو الذي يساهم بدور مباشر في تنفيذها بحيث يعتبر عمله شروعا فيها لو لم تتم و أما الشريك فهو الذي لم يشترك إشتراكا مباشرا في الجريمة و لكن قام بأعمال عددها قانون العقوبات الجزائري في المادة (42) منه و هي لا يفي جملتها و لا تكون كافية لإعتبار عمل الشريك شروعا أي بدءا في تنفيذ الجريمة و هذه الأعمال هي المكونة للركن المادي لجريمة الإشتراك و هي:

1 - المساعدة و المعاونة: و هي الوسيلة أكثر وضوحا من وسائل الإشتراك في إرتكاب الجريمة وقد نص عليها قانون العقوبات الجزائري في المادة ( 42 ) منه و التي سبقت الإشارة إليها و هي تتم بصورتين نصت عليها المادة سالفة الذكر      و هما:

الصورة الأولى: مساعدة الشريك للفاعل الأصلي في الأعمال التحضيرية للجريمة كما لو أعطاه السلاح الذي يستعمله في القتل أو المادة السامة التي يستخدمها في تسميم المجني عليه أو ما إلى ذلك و في هذه الصورة يعتبر شريكا له في إرتكابها.

هذه الصورة من صور المساعدة لا تثير أية صعوبة في التمييز بين الفاعل الأصلي و الشريك.

الصورة الثانية: المساعدة في الأعمال المسهلة و المنفذة للجريمة و في هذه الصورة تدق التفرقة إلى حد كبير بين أعمال الفاعل الأصلي و الشريك فقد تكون المساعدة أو المعاونة في الأعمال المسهلة أو المنفذة للجريمة سابقة عليها أو معاصرة لها أو لاحقة لإرتكابها. فالأعمال السابقة على إرتكاب الجريمة كمن يعطي معلومات للفاعل تساعده على إرتكابها أو من يسهل له في جريمة السرقة الوصول إلى الشيء المراد سرقته كالخادم الذي يترك باب مخدومه مفتوحا ليسهل للفاعل إرتكاب السرقة. و أما الأعمال المعاصرة لإرتكاب الجريمة فصورتها تتمثل في من يقف لمراقبة الطريق حتى يتم الفاعل جريمته أو من يقوم بإشغال المجني عليه أو الحارس أثناء إرتكاب الجريمة بقصد تسهيلها أو إتمامها أو من يعطل عودة المجني عليه إلى منزله حتى تتم سرقته أو من يتواجد في مسرح الجريمة حاملا سلاحا لحماية زملائه أثناء إرتكاب السرقة و أما الأعمال اللاحقة فمثلها من يخفي الأسلحة التي إستعملت في القتل أو يخفي الأشياء المتحصلة من السرقة. فما هو الحل في كل حالة من تلك الحالات ؟.

أما الأفعال السابقة على إرتكاب الجريمة فلا صعوبة في إعتبار مرتكبها شريكا و أما الأفعال المعاصرة فهي في الحقيقة وواقع الأمر من الأعمال التنفيذية للجريمة فينطبق عليها معيار التفرقة بين الفاعل الأصلي و الشريك بمعنى أنه إذا كان الفعل يؤدي مباشرة إلى إرتكاب الجريمة أو بمعنى أوضح شروعا فإن مرتكبها يعد فاعلا أصليا لا شريكا، و لكن يضاف إلى هذا المعيار ضرورة تواجد مرتكب فعل المساعدة على مسرح الجريمة أثناء إرتكابها و إلا عد شريكا.

فمثلا الخادم الذي ترك الباب مفتوحا قبل إرتكاب الجريمة ليسهل للفاعل إرتكابها يعتبر شريكا. إلا إذا كان فتح الباب و تركه مفتوحا معاصرا لحضور الجاني و إرتكابه للسرقة فإن الخادم يعتبر فاعلا أصليا لأن عمله أدى مباشرة إلى إرتكاب السرقة و كان هو على مسرح الجريمة وقت وقوعها.

و كذلك من أعطى سلاحا لآخر لإستخدامه في قتل عدو له فإنه يعتبر شريكا في جريمة القتل فقط أما إذا ظهرت عدم صلاحية السلاح الذي أعده فأبدله الشريك للمنفذ بسلاح صالح للإستعمال فإنه يعتبر في هذه الحالة فاعلا أصليا و على ضوء ما تقدم يعتبر الشخص الذي يقف لمراقبة الطريق حتى يتم زملائه السرقة و كذلك من يقوم بتلهية المجني عليه أو الجاني حتى تتم السرقة أو من يعطل عودة المجني عليه إلى منزله حتى ينتهي الجاني من سرقته. كل هؤلاء يعتبرون كفاعلين أصليين للجريمة و ليسوا شركاء.

و أما الأفعال اللاحقة على إرتكاب الجريمة فالأصل أن مرتكبيها لا يعتبر شريكا للفاعل الأصلي في إرتكابها لأن الشريك يجب أن تكون مساعدته أو معاونته للفاعل الأصلي سابقة على إرتكاب الجريمة أو معاصرة لها. فإذا كانت هذه المساعدة أو المعاونة لاحقة لإرتكابها فهل تجعل فاعلها شريكا في الجريمة. و لكنها قد تكون في حد ذاتها جريمة مستقلة كالإخفاء من جناية أو جنحة إرتكبها الفاعل الأصلي فإن المخفي يعاقب في هذه الحالة لا بإعتباره شريكا و لكن بإعتباره مرتبكا لجريمة مستقلة يعاقب عليها قانون العقوبات الجزائري طبقا للمادة (387) بالحبس من سنة على الأقل إلى خمسة سنوات على الأكثر و بغرامة مالية من 500 إلى 20000 دج و كذلك إخفاء الأشياء و الأدوات التي إستعملت في إرتكاب الجناية أو الجنحة مع علم المخفي بذلك يعاقب مرتكبها بعقوبة مماثلة لعقوبة الشريك و لكن ليس بإعتباره شريكا و لكن بإعتباره مرتكبا لجريمة قائمة بذاتها.

و بالمثل ما نصت عليه المادة (130) من عقاب من يخفي جانيا أو يعاونه على الفرار بالحبس من سنة إلى خمسة سنوات.

2 - إيواء الأشرار: و هي صورة من صور الإشتراك في الجريمة أنفرد بها المشرع الجزائري و نص عليها في المادة 43 منه و التي سبقت الإشارة إليها في الفصل الرابع و تنص على ما يأتي: يأخذ حكم الشريك من إعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا للإجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي وواضح من هذا النص أنه يكفي لإعتبار الشخص شريكا في هذه الحالة أن يقدم بصفة متكررة مسكنا أو ملجأ لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون الجرائم المنصوص عليها في تلك المادة عند وقوع إحدى هذه الجرائم يعتبر هو شريكا فيها حتى ولو إقتصر عمله على تقديم المسكن لمرتكبيها و حتى ولو لم يكن ذلك بناء على إتفاق سابق بينه و بينهم.

هذه هي صور الإشتراك التي نص عليهما قانون العقوبات الجزائري في المادتين (42،43) و هي كما هو ظاهر بجلاء و وضوح تفترض نشاطا إيجابيا من جانب الشريك لكي يمكن إعتباره شريكا كالمساعدة و الإيواء للأشرار فكل هذه أنشطة إيجابية تكون الركن المادي لجريمة الإشتراك. أما وقوف الشخص موقفا سلبيا أثناء إرتكاب الجريمة و في أية مرحلة من مراحلها لا يعد إشتراكا في الجريمة يعاقب عليها القانون حتى ولو ثبت أنه كان في إستطاعته منعها و أن إمتناعه كان تعبيرا عن رغبته في أن يمضي الجاني في تنفيذها كمن يشاهد شخص يعتدي على آخر بالضرب أو يسرق ماله ولا يتقدم لمنع إرتكاب جريمتي الضرب أو السرقة فإن مثل هذا الشخص لا يعتبر شريكا طالما أنه لم يقم بنشاط إيجابي مباشر في المعاونة على إرتكابها بإحدى الصور التي نص عليها القانون و كذلك من يعلم بعزم الجاني على إرتكاب جريمة ولا يبلغ عنها السلطة المختصة لتمكين الجاني من إرتكابها لا يعتبر شريكا فيها.

غير أن المشرع الجزائري لا يعاقب من يقف موقفا سلبيا أثناء إرتكاب الجريمة أو في أية مرحلة من مراحلها بإعتباره شريكا للفاعل الأصلي إلا أنه يعتبر فاعلا بالتستر عن الجريمة أو المجرم أو عدم منعه جريمة تمس بسلامة الشخص أو سلامة أملاكه، يعاقب بعقوبة الحبس و الغرامة و بإحدى هاتين العقوبتين كل من يستطيع فعل مباشر منه و بغير خطورة عليه أو على الغير إن منع وقوع فعل موصوف بأنه جناية أو وقوع جنحة ضد سلامة جسم الإنسان و إمتنع عن القيام بذلك و هذا النص في نظرنا من العسير تحقق الحالات التي يمكن تطبيقه عليها     و ذلك لأنه ترك للشخص الذي يمتنع عن التقدم لمنع وقوع جناية أو جنحة أن يقدر ما إذا كان على أقدامه في ذلك خطورة عليه أو على الغير و هذا التقدير يختلف بإختلاف الأشخاص من حيث الجرأة و الشجاعة و التردد و الجبن كذلك نص قانون العقوبات الجزائري في المادة 181 منه على أنه يعاقب بالحبس و الغرامة المالية       أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من علم بالشروع في جناية أو وقوعها فعلا و لم يخبر السلطات فورا و قبل أن تنتهي من الكلام على الركن المادي لجريمة الإشتراك يتعين أن نتعرض لمسألة فرعية على قدر من الأهمية و هي ما إذا كان من الممكن أن تكون هناك مساهمة في الإشتراك و بمعنى واضح هل يمكن أن يوجد شريك للشريك في الجريمة و يعاقب بنفس العقوبة المقررة له ؟.

تنص بعض التشريعات الجنائية على أن إجرام الشريك أي الصفة الإجرامية لفعله مستمدة من إجرام الفاعل الأصلي و لذلك يجب قيام علاقة السببية بين الأفعال المكونة للإشتراك و بين الفاعل فإنعدام العلم في هذه العلاقة كان إشتراكه غير مباشر و لا عقوبة عليه و بالتالي فإنه لا عقاب على شريك الشريك ذاته و مثل ذلك من يعطي إلى الشريك سلاحا ليعطيه بدوره للفاعل الأصلي لإرتكاب الجريمة أو من يرغب في سرقة منزل إحدى الأثرياء فيكلف صديقه بالإتصال بأحد الخدم          و الحصول منه على المعلومات المسهلة لإرتكاب الجريمة ففي هذه الحالة يعاقب الشريك الذي سلم السلاح للجاني أو أعطاه المعلومات المسهلة لتنفيذ الجريمة ولا عقاب على شريك الشريك و على هذا جرت أحكام القضاء في فرنسا.

أما قانون العقوبات الجزائري فإنه كما رأينا قد جعل من الإشتراك جريمة مستقلة بذاتها ولم يشترط وجود علاقة بينه و بين الفاعل الأصلي كما يتضح ذلك مما نص عليه في صدر المادة 42 أنه يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك إشتراكا مباشرا فيها ولكن عاون بكل الطرق. و مفاد هذا النص أن كل ما يشترطه المشرع الجزائري للعقاب على الإشتراك هو قيام الشريك بأفعال تعتبر منه مساهمة غير مباشرة في إرتكاب الجريمة كالمساعدة و المعاونة بغض النظر عن وجود علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي أو عدم وجودها بل تكتمل جريمة الشريك من مجرد مساهمة غير مباشرة في الجريمة و يستمد الصفة الإجرامية لفعله من الجريمة ذاتها و من قصده الجنائي لا من فعل غيره أو قصده أو بمعنى أوضح هو ليس مساهما مع الفاعل و لكنه مساهم في الجريمة ذاتها و على ذلك فإنه ليس ثمة ما يمنع من معاقبة شريك الشريك طبقا لقانون العقوبات الجزائري.

هذا فيما يتعلق بالركن المادي لجريمة الإشتراك.

الركن الشرعي: و هو كما قدمنا وجود نص في القانون يحرم فعل الإشتراك و يقرر العقوبة له فإن هذا الركن قائم بدوره من النصوص القانونية التي جاء بها المشرع الجزائري في قانون العقوبات و التي سبقت الإشارة إليها.

الركن المعنوي: و هو القصد الجنائي فيقصد به أن يكون الشريك عالما بالجريمة التي يساهم فيها و بأن نشاطه الإجرامي يقوم بدور المساهمة في إرتكابها و أن تتجه إرادته إلى تحقق النتيجة المترتبة عليها و هذا الركن منصوص عليه صراحة في قانون العقوبات الجزائري في المواد الخاصة بالمساهمة الجنائية حيث عبر عنها المشرع بعبارة ( مع علمه بذلك) بعد ذكر الوسائل التي يقوم بها الركن المادي للجريمة و على ذلك فإن لم يكن الشخص يقصد بفعله المساعدة أو المعونة في إرتكاب الجريمة و لكن هذه المساعدة حدثت بإهماله كما لو ترك شخص بندقيته و بداخلها عيار ناري فجاء الجاني و أخذها في غفلة منه       و إرتكب بها جناية قتل فإن صاحب البندقية في هذه الحالة لا يعتبر شريكا بالمساعدة في جريمة القتل.

و لكن ما الحكم إذا ترتبت على الجريمة نتائج غير التي إتجهت إليها إرادة الشريك و قصده الجنائي، كما لو إشترك شخص مع آخر في إرتكاب جريمة سرقة مسكن ولكن لدى تنفيذ الجريمة إعترض صاحب المسكن الفاعل الأصلي فقتله فهل يسأل الشريك عن جريمة القتل؟ هذا ما سنتناوله في الكلام على عقوبة الإشتراك في الجريمة فهل يتصور الإشتراك في الجرائم غير العمدية مثل جريمة القتل الخطأ؟ يرى بعض الشراح أن الإشتراك جائز في الجرائم الغير العمدية لأن القانون لم يخص الإشتراك بالجرائم العمدية بل هو يطلق القول و بذلك ينسحب حتى على المخالفات و أغلبيتها جرائم غير عمدية و على ذلك يعتبر شريكا في جريمة القتل الخطأ مالك السيارة الذي يأمر السائق بالإسراع في السير فيقتل أحد المارة بسبب إسراعه و يرى البعض الآخر من الشراح أن الإشتراك في الجرائم الغير العمدية يتصور و لكن المشترك لا يوصف بأنه شريك بل أنه فاعل أصلي مع غيره لأنه يصبح بفعله أو إهماله سببا في إرتكاب الجريمة هذا هو الرأي الأصح فإذا سلم صاحب السيارة سيارته إلى شخص يعلم هو أنه غير مرخص له بالسياقة فصدم هذا الشخص إنسانا فأماته كل من صاحب السيارة هو المسؤول قانونا عن هذه الحادثة لأنه بتسليمه السيارة لمثل هذا الشخص قد خالف أحكام قانون المرور فيجب أن يسأل عن كل الحوادث التي تقع بسبب ذلك.

عقوبة الإشتراك في الجريمة: سبق التوضيح أن الشريك هو الذي يأتي الفعل المادي المكون للإشتراك المعاقب عليه و هو يقصد منه وقوع الجريمة أي المساهمة في وقوعها.

و يترتب على وجوب توافر هذا الشرط أن من قام بعمل مادي ساعد على وقوع الجريمة لا يعتبر شريكا إذا لم يكن لديه قصد للإشتراك في الجريمة فمن يعير سلما لآخر فيستعمله هذا في سرقة لا يعتبر شريكا في السرقة و من يفض بوصف منزل إلى آخر معتقدا أن السائل يريد إستئجاره فيستعين هذا بذلك الوصف على سرقة و هكذا، ففي هذه الحالات و نحوها لا يعاقب الشخص الذي أعطى السلم أو أفضى بأوصاف منزل بإعتباره شريكا بالمساعدة و قلنا أيضا أن مجرد العلم بالجريمة وحده لا يكفي لتوافر الإشتراك ما دام أن قصد الإشتراك فيها غير متوفر فالشخص الذي يقلد المفاتيح و يتجر فيها لا يعتبر شريكا في جريمة السرقة التي تستعمل فيها مع أنه كان يتوقع ذلك و لكنه لم يقصد الإشتراك في تلك الجريمة فهو لم يرتكب إلا جريمة تقليد المفاتيح السابق الإشارة إليها، و كذلك الذي يبيع لآخر سلاحا و هو يعلم أنه سيرتكب به جريمة لا يعد شريكا لأنه لم يقصد من بيع السلاح سوى قبض الثمن غير أنه في بعض الأحيان قد يتضمن العلم الإرادة أي أن إثبات العلم يدل قرينة على إرادة المساهمة في الجريمة فمثلا إذا أعار شخص سلاحا إلى صديقه و هو يعلم أنه سيرتكب به جريمة وثبت هذا العلم فإن ذلك يقوم دليلا على قصد الإشتراك في الجريمة و العلم وحده قد يحصل قبل إرتكاب الجريمة وقد يحصل أثناء التنفيذ، و في كلتا الحالتين لا يجعل الشخص شريكا ولو ثبت أنه تقاضى أجرا على الصمت مادام لم تثبت صراحة أو ضمنا إرادته المساهمة في الجريمة فإذا جلس شخصان يرتبان خطة سرقة فيسمع شخص ثالث حديثهما فأعطياه مبلغا من النقود ليسكت فإن هذا الشخص لا يعتبر شريكا إذا ما وقعت السرقة فيما بعد و بالمثل لا يعتبر شريكا من فاجأ لصوصا يكسرون باب محل بقصد السرقة فيشترون صمته بمبلغ من المال.

و لكن ما الحكم إذا إرتكب الفاعل الأصلي جريمة غير تلك التي قصدها الشريك أن يشارك معه فيها. هل يعاقب الشريك على هذه الجريمة التي لم يقصد هو الإشتراك فيها؟. فمثلا إذا إتفق شخصان على سرقة بسلاح و ساعد أحدهما الآخر على إرتكابها فذهب و إرتكب مع السرقة جناية قتل المجني عليه أو قاومه المجني عليه فقتله و فر بدون أن يسرق. فهل يسأل عن جريمة القتل في هذه الحالة ؟.

إختلفت في ذلك أحكام التشريعات العقابية. فمن هذه التشريعات تلك التي تأخذ بنظرية إستعارة الجريمة أي إعتبار الصفة الإجرامية لفعل الشريك مستمدة من الصفة الإجرامية لفعل الفاعل الأصلي هذه التشريعات تنص على معاقبة الشريك على أية جريمة يرتكبها الفاعل الأصلي متى كانت هذه الجريمة نتيجة محتملة للجريمة التي ساهم فيها بالمساعدة فمن يساعده آخر في سرقة منزل فإن عليه أن يتوقع أن يستيقظ المجني عليه و يقاوم السارق فيحاول هذا الأخير إسكاته خشية الإفتضاح فإن عجز عن ذلك قضى على حياته ليأمن شره. تلك حلقات متسلسلة يتصل أخراها بأولها إتصال العلة بالمعلول فكل من كانت له يد في أول هذه الحوادث و هي حادثة السرقة يعتبر مسؤولا أيضا عن الحادثة الأخيرة. و هي حادثة القتل بإعتبارها نتيجة محتملة للأولى و من هذه التشريعات قانون العقوبات المصري حيث نص في المادة 43 منه على أن من إشترك في جريمة فعلية عقوبتها حتى ولو كانت غير التي تعمد إرتكابها متى كانت نتيجة محتملة لها و من التشريعات الجزائية تلك التي تأخذ بنظرية بإستقلال التجريم حيث تعتبر فعل الشريك بالمساعدة جريمة مستقلة بذاتها. و لا يعاقبه إلا على المساهمة في الجريمة التي قصد أن يساهم فيها بنشاطه الإجرامي دون حاجة لتوافر علاقة السببية بين فعل الشريك و بين الجريمة التي أرتكبت و سواء كانت هذه الجريمة هي التي إتجهت إرادة الشريك إلى المساهمة فيها أو كانت جريمة أخرى أخف منها أو أشد.

بل و حتى ولو عدل الفاعل الأصلي عن إرتكاب الجريمة التي قصد الشريك المساهمة فيها ولم يرتكبها بوازع من نفسه و ضميره. فإن فعل الشريك يظل رغم ذلك معاقبا عليه.

و من هذه التشريعات قانون العقوبات الجزائري و هو أقرب للعدالة من غيره. إذ أنه مادام الشريك يعاقب على الجريمة التي إتجهت إرادته إلى المساهمة فيها تحققت أو لم يتحقق فإنه يكون من العدل أيضا أن لا يحاسب الشريك في الحالة العكسية على جريمة أخرى غير التي إتجهت إرادته إليها.

عقوبة الشريك ثم على الظروف التي تؤثر على مسؤوليته كل منها.
عقوبة الشريك: تنص المادة 44 من قانون العقوبات الجزائري على ما يأتي:
1) الشريك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجنائية أو الجنحة.
2) ولا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك التي تتصل به هذه الظروف.
3) الظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة و التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها أو تخفيفها بحسب ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف.
4) ولا يعاقب على الإشتراك في المخالفة عن الإطلاق.

فالقاعدة الأصلية أيضا طبقا للفقرة الأولى من المادة ( 44 ) ع.ج هي أن الشريك يعاقب بعقوبة الجناية أو الجنحة التي ساهم في إرتكابها. وقد تكون هذه العقوبة هي عقوبة الفاعل الأصلي ذاتها وقد تكون أخف منها أو أشد بحسب الظروف التي تتصل بالجريمة أو شخص الفاعل أو الشريك و هي على ثلاثة أوصاف:

1)- الظروف الشخصية اللصيقة بشخص الجاني و التي لا تغير من الوصف القانوني للجريمة:

أ) الظروف الشخصية التي تمنع المسؤولية سواء أكان الجاني شريكا أم فاعلا أصليا مثل الجنون م 47 ع.ج الإكراه م 48 و حداثة السن م 49 فهذه كلها ترفع المسؤولية الجنائية عمن توافرت فيه دون غيره.

2) الأعذار الشخصية التي تعفى من العقاب، و هذه الأعذار هي بدورها شخصية يقتصر أثرها على من توافرت فيه دون غيره، من ذلك ما نصت عليه المادة 180 ع.ج من إعفاء من يخفي مرتكب الجناية أو يعينه على الفرار إذا كان من أقارب الجاني أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة فإذا إشترك شخص مع الزوجة في إخفاء زوجها الهارب من وجه العدالة بأن ساعدها على ذلك فإن الزوجة وحدها هي التي تعفى من العقاب و يعاقب الشخص الذي عاونها بإعتباره شريكا أو فاعلا أصليا حسب الدور الذي قام به في تنفيذ الجريمة.
               
و كذلك ما نصت عليه المادة 179 ع.ج من إعفاء من يقوم من الجناة للسلطات بالكشف عن الإتفاق الجنائي الذي تم أو عن وجود جمعية من الأشرار قبل الشروع في الجناية موضوع الإتفاق أو الجمعية و قبل البدء في التحقيق، و هذا الإعفاء مقصور فقط على المبلغ من الجناة دون غيره و الحكمة فيه تسهيل كشف مثل هذه الجرائم الخطيرة و معاقبة مرتكبيها.

و من هذه الأعذار أيضا ما نصت المادة 368 ع. ج من عدم العقاب على السرقات التي ترتكب عن الأصول أضرارا بأولادهم أو غيرهم من الفروع كالأحفاد أو من الفروع أضرارا بأصولهم أو من أحد الزوجين أضرارا بالزوج الآخر فهذا العذر يستفيد منه الأصول و الفروع و الأزواج دون غيرهم فإذا إرتكب شخص آخر غير هؤلاء جريمة سرقة مع الزوجة وقام فيها بدور الفاعل الأصلي معها أو بدور المساهم فيها فإن الزوجة وحدها هي التي تعفى من العقاب بينما يعاقب هو كفاعل أصلي أو شريك حسب الدور الذي قام به.

و بالمثل أيضا ما نصت عليه المادة 326/2 ق ع.ج من إعفاء الخاطف من العقاب إذا تزوج  بمخطوفاته القاصرة زواجا شرعيا لم يحكم ببطلانه.

3) الظروف الشخصية المشددة للعقاب. و هذه على عكس النوعين السابقين يترتب عليها تشديد العقاب على من توافرت فيه دون غيره و هي أيضا ظروف شخصية تتصل بشخص الجاني الذي توافرت فيه ولا يترتب عليها تغيير وصف الجريمة بل يقتصر اثارها على شخصية تشديد العقوبة على من إتصلت بشخصيته وقد نص على ذلك قانون العقوبات الجزائري صراحة في المادة 44/1 منه و أهم هذه الظروف ظرف العود المنصوص عليه في المواد من 54 إلى 60 ع.ج فإذا كان الفاعل الأصلي أو الشريك أو أيهما قد سبق له إرتكاب الجريمة و عوقب عليها ثم لم يرتدع فعاد إلى إرتكابه فإن القانون يشدد عليه هو وحده العقوبة دون غيره من الفاعلين أو الشركاء الذين ساهموا معه في إرتكاب الجريمة.

الظروف الشخصية التي تغير من وصف الجريمة: و هذه الظروف و إن كانت تتصل بشخص الجاني إلا أنها تغير من وصف الجريمة و تقلبها من جنحة إلى جناية و هذه الظروف إما أن تكون صفة يتصف بها الجاني كصفة الخادم في السرقة أو صفة الموظف العمومي في جريمة الإختلاس الأموال العمومية أو التزوير أو خيانة الأمانة أو صفة الأصل في هتك العرض، و إما أن تكون عاملا نفسيا يختلج في نفس الجاني كسبق الأصرار و الترصد في جناية القتل العمد. وقد نص قانون العقوبات الجزائري في أكثر من موضع على بعض هذه الظروف فنص في المادة 353 على ما يأتي ( يعاقب بالسجن المؤقت من عشرة سنوات إلى عشرين سنة كل من إرتكب سرقة مع توفر ظرفين على الأقل من الظروف الآتية):

- إذا كان الفاعل خادما أو مستخدما بأجر حتى ولو وقعت السرقة ضد من لا يستخدمونه لكنها وقعت في منزل مخدومه أو في المنزل الذي كان يصحبه فيه.

- إذا كان السارق عاملا أو عاملا تحت التدريب في منزل مخدومه أو مصنعه أو مخزنه أو إذا كان يعمل عادة في المنزل الذي إرتكب فيه السرقة.

و يشترط في كل من هاتين الحالتين أن يتوافر ظرف آخر على الأقل مع صفة الخادم أو العامل كإستعمال العنف أو السرقة ليلا أو غيرها من الظروف التي عددتها المادة 353 و بمقتضى هذه المادة إنقلبت السرقة من جنحة عقوبتها الحبس إلى جناية عقوبتها السجن بسبب صفة مرتكبها و كذلك نصت المادة 261 ق ع.ج على ما يأتي (يعاقب بالإعدام على قتل الأصول أو القتل بالسم) و بذلك رفع القانون عقوبة القتل العمدي من السجن المؤبد إلى الإعدام بسبب صفة مرتكبها أو الوسيلة المستخدمة فيها ونصت المادة 119 ق ع.ج على أن (القاضي أو الموظف العمومي الذي يختلس أو يحتجز أو يبدد بدون وجه حق أو يسرق أموالا عمومية أو خاصة يعاقب بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة و بالمثل نصت المادة 120 ق ع.ج على أنه ( يعاقب بالحبس من 5 سنوات إلى عشر الموظف الذي يتلف أو يرسل بطريق الغش وثائق أو سندات في عهدته ).

و نصت المادة 214 ق ع.ج على أنه ( يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف عمومي أو قائم بوظيفة عمومية إرتكب تزويرا أثناء قيامه بتأدية وظيفته). كما نصت المادة 215 كذلك على ما يأتي ( كل قاض أو موظف عمومي أو قائم بوظيفة عمومية قام أثناء تحريره محررات من أعمال وظيفته بتزوير جوهرها أو ظروفها بطريق الغش بعقوبة السجن المؤبد و نصت المادة 379 ق ع.ج على أنه إذا وقعت خيانة الأمانة من قام بوظيفة عمومية أو قائم بوظيفة قضائية أثناء مباشرة أعمال وظيفته أو بمناسبتها فتكون العقوبة السجن المؤبد من خمس سنوات إلى عشر سنوات ).

و في جريمة هتك العرض نص قانون العقوبات الجزائري في المادة 337 على ما يأتي إذا كان الجاني من الأصول من وقع عليه الفعل المخل بالحياء أو هتك العرض أو من له سلطه عليه و بدون إكراه، فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنين إلى عشرين سنة إذا كان المجني عليه قاصر في الخامسة عشرة من عمره      و تكون العقوبة السجن المؤبد إذا كانت المجني عليها قاصرة في الخامسة عشرة، ففي هذه المواد السابقة نرى أن المشرع الجزائري قد جعل من صفة الجاني اللصيقة بشخصيته عاملا مؤثرا في وصف الجريمة يحولها من جنحة إلى جناية أو يرفع العقوبة فيها إلى فئة أعلى أو بمعنى أوضح يغير وصف العقوبة وقد يكون الظرف الشخصي المتصل بالجاني مجرد عمل نفساني كسبق الإصرار و الترصد فقد نص قانون العقوبات الجزائري في المادة 261 على أن إقترانهما بجناية القتل العمدي من شأنه أن يغير وصف العقوبة و يجعلها الإعدام بدلا من السجن المؤبد.

وقد عرف قانون العقوبات الجزائري سبق الإصرار في المادة 256 بأنه (عقد العزم قبل إرتكاب الفعل على الإعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته حتى ولو كانت هذه النية متوقفة على أن ظرف أو شرط كان) و عرف الترصد في المادة 257 بأنه (هو إنتظار شخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أكثر و ذلك أما لإزهاق روحه أو الإعتداء عليه) و يتضح من تلك النصوص المتقدمة أن المشرع الجزائري قد جعل من بعض الظروف      و الأعذار الشخصية المتصلة بشخص الجاني عاملا من شأنه التأثير في وصف الجريمة أو العقوبة فما هو تأثير هذه الظروف أو الأعذار بالنسبة للشريك؟ يرى شراح القانون الفرنسي أن هذه الظروف أو الأعذار ينسحب أثارها على الشريك شأنه شأن الفاعل الأصلي تماما و سواء علم بها أو لم يعلم و ذلك تأسيسا على نظرية إستعارة التجريم المأخوذ بها في فرنسا و التي بمقتضاها يستمد فعل الشريك صفته الإجرامية من فعل الفاعل الأصلي و على ذلك فإذا ساهم شخص بصفته شريكا مع أخرى بصفته فاعلا أصليا في إرتكاب جريمة سرقة أموال عمومية       و يتبين أن الفاعل الأصلي موظفا عاما ولم يكن الشريك يعلم بذلك فإن كلاهما يعاقب بعقوبة الجناية و كذلك شريك الإبن في قتل أبيه يعاقب بعقوبة قتل الأصول    و هكذا و يعاب على هذا الرأي أنه لا يتفق مع العدالة و أنه يؤدي إلى نتائج شاذة غريبة أما قانون العقوبات الجزائري فهو لم ينص على تنظيم مثل هذه الحالة و لذا فإن من رأى البعض أن سكوت الشرع الجزائري يمكن تفسيره بالمثل إلى ما أخذ به القضاء الفرنسي.

و من رأى البعض الآخر أنه لا يجوز أن ينسحب أثر مثل هذه الظروف الشخصية إلى الشريك حتى ولو كان عالما بها لأن جريمته مستقلة عن جريمة الفاعل الأصلي.
و نحن نرى أن هذه الظروف أو الأسباب التي تغير من وصف الجريمة أو العقوبة تسري على الشريك في الجريمة إذا كان عالما بها. إما إذا كان يجهلها فإن أثرها لا يمتد إليه و ذلك هو أقرب للعدالة.

الظروف العينية التي تغير من وصف الجريمة: و قد سميت هذه الظروف بالظروف العينية أو الموضوعية لأنها متصلة بعين الجريمة أي بذاتها و تدخل في تكوين الركن المادي لها و يترتب على تغيير وصف الجريمة و تشديد العقوبة على الجاني.

و الظروف التي من هذا النوع و التي وردت في قانون العقوبات الجزائري هي:

أولا: بالنسبة للسرقة: فهي في الأصل جنحة يعاقب عليها بالحبس و لكنها إذا إقترنت بظرفين من الظروف الموضوعية التالية تغير وصفها إلى جناية وصارت عقوبتها السجن المؤقت أو المؤبد و هذه الظروف هي:

1) ظروف الليل: و هو ظرف عيني موضوعي، بل هو يكون جزءا من الركن المادي في جريمة السرقة ليلا ( م 353/2 ، م 354/2 ق ع.ج ).

2) ظرف التسلق أو الكسر أو إستعمال مفاتيح مصطنعة: و هذا الظرف أيضا هو ظرف عيني موضوعي يتصل بالجريمة ذاتها، و يكون جزءا من الركن المادي لجريمة السرقة بالتسلق أو الكسر أو بإستعمال مفاتيح مصطنعة ( م 353/4 و 354/4 ق ع.ج ).

3) ظرف إستعمال العنف أو التهديد: و هذا أيضا ظرف عيني يتصل بجريمة السرقة بالعنف أو التهديد وقد نص عليه في المادتين 353/1 و 354/1 ع.ج، و كذلك إذا وقعت من خادم أو أجير على ما سبق إيضاحه .

4) ظرف السرقة بواسطة شخصين أو أكثر ( م 353 و 354/3 م.ع ).
5) ظرف حمل السلاح في جريمة السرقة: هو ظرف موضوعي يغير وصف الجنحة إلى جناية و يجعل عقوبتها السجن المؤبد ( م 351 ع.ج دون أن يتوافر معه أي ظرف آخر).

6) ظرف إرتكاب السرقة أثناء حريق أو بعد إنفجار أو إنهيار أو زلزال أو فيضان أو غرق أو ثورة أو فتنة أو أي إضطراب آخر: هو بدوره ظرف موضوعي يغير وحده من وصف الجريمة و يشدد العقاب عليها ( م 354 ق ع .ج ).

7) ظرف إستخدام مركبة ذات محرك في جريمة السرقة إذا إقترن بظروف أخرى ( م 353/5 ق ع.ج ).

ثانيا: في جريمة إتلاف الزراعة: فإنها إذا وقعت ليلا فإن ظروف الليل كما هو الحال في السرقة يغير وصف الجريمة و يترتب عليه تشديد العقوبة ( م 861/4 و 5 ق ع.ج).

ثالثا: في جرائم هتك العرض و التحريض على الدعارة:
1) الإكراه أو العنف في جريمة هتك العرض ( م 335 و 336 ق ع.ج ): هذه الظروف العينية أو الموضوعية لا صعوبة في أنها تؤثر على الفاعل الأصلي أما بالنسبة للشريك فهل ينسحب أثرها عليه أيضا.

ينص قانون العقوبات الفرنسي على سريان هذه الظروف على الفاعل أو الشريك علم بها أو لم يعلم و ذلك تأسيسا على نظرية إستعارة التجريم التي سبقت الإشارة إليها و بالمثل قانون العقوبات المصري أيضا ( م 41 عقوبات مصري أما قانون العقوبات الجزائري فقد نص صراحة في المادة 394 ق ع، على أن هذه الظروف لا تؤثر على الشريك إلا إذا كان عالما بها، إما إذا كان يجهلها فلا ينسحب أثرها عليه، و ذلك لأن المشرع الجزائري لم يأخذ بنظرية إستعارة التجريم التي أخذت بها بعض القوانين الأخرى و التي تجعل الصفة الإجرامية لفعل الشريك مستمدة من الصفة الإجرامية لفعل الفاعل الأصلي بل أنه أخذ بمبدأ استقلال التجريم و جعل جريمة الشريك جريمة مستقلة قائمة بذاتها.

هذه بالنسبة للظروف التي تتصل بالجريمة و تغير وصفها من جنحة إلى جناية، و تشدد العقوبة عليها، و لكن ما الحكم بالنسبة للنتائج الجسيمة التي يترتب عليها تشديد العقوبة على الفاعل الأصلي كما لو اشترك شخص مع آخر في ضرب المجني عليه فنشأت عن ذلك عاهة مستديمة كبتر عضو من أعضائه أو فقد الإبصار بإحدى العينين أو أفضى الضرب إلى الوفاة، المادة 264/1،2،3 من قانون العقوبات الجزائري أو إذا إشترك شخص مع الجاني بالمساعدة في إحراق منزل فتسبب عن ذلك وفاة شخص كان بداخله، المادة 403 ق ع.ج أو إذا إشترك شخص مع الفاعل الأصلي في تخريب الجسور أو السدود أو الخزانات عمدا فتسبب عن ذلك موت شخص أو أشخاص، المادة 399 ق ع.ج.

فإن العقوبة في هذه الحالة ترتفع إلى الإعدام و هكذا، فهل يسأل الشريك هنا عن النتيجة الجسيمة التي تترتب على فعل الفاعل الأصلي أم لا ؟.

الواقع أن هذه الظروف كلها لا تخرج عن كونها من الظروف الموضوعية التي تتصل بموضوع الجريمة أو بالفعل المادي المكون لها، و لذلك فهي طبقا لقانون العقوبات الجزائري لا تؤثر على الشريك إلا إذا كان عالما بها.

الأعذار القانونية المخففة للعقاب: هذه الأعذار على العكس من الأسباب            و الظروف السابق الكلام عنها من شأنها أن تخفف العقوبة على الجاني، وقد نص عليها قانون العقوبات الجزائري في المواد من 277 إلى 283 على النحو التالي:

المادة 278: يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا إرتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار.

المادة 279: يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا إرتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه في حالة تلبس بالزنا، وقد نصت المادة 339/4 على عدم إتخاذ أية إجراءات في جريمة الزنا ضد أحد الزوجين الأبناءا على شكوى الآخر و أن صفح الزوج يضع حدا للمتابعة و يوقف تنفيذ الحكم النهائي ( م 340 ).

المادة 280: يستفيد مرتكب جناية الخصاء من الأعذار إذا دفعه فورا إلى إرتكابها وقوع هتك عرض بالعنف.

المادة 281: يستفيد مرتكب الجرح و الضرب من الإعذار إذا أرتبكها ضد شخص بالغ يفاجأ الفاعل في حالة تلبس بهتك عرض قاصر لم يكمل الخامسة عشرة سواء بالعنف أو بغير عنف.

المادة 282: لا عذر إطلاقا لمن يقتل أباه أو أمه أو أحد أصوله.

المادة 283: إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على الوجه الآتي:
1)- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام        أو السجن المؤبد.
2)- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بجناية أخرى.
3)- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة.

و تنص المادة 294 على أن الجاني في جريمة الخطف أو القبض أو الحجز          أو الحبس و التعذيب يستفيد من الأعذار المخففة في حدود المادة 52 من هذا القانون، فبدلا من أن يعاقب بالإعدام طبقا للمادة 293 الخاصة بتلك الجناية تخفض العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس سنوات إذا وضع الجاني حدا للحبس أو الحجز بعد أو من عشرة أيام، و إذا أنهاه بعد أكثر من عشرة أيام تخفض عقوبة الإعدام إلى السجن من خمس إلى عشر سنوات، و واضح من هذه النصوص كلها إنما تتضمن إعذارا قانونية يترتب عليها تخفيض العقوبة على نحو ما ذكر، فما هو حكم هذه الإعذار بالنسبة للشريك، و لكنها في الحقيقة لا تخرج عن كونها من الظروف الموضوعية التي تتصل بكيفية وقوع الجريمة و على ذلك و على وضوء ما نص عليه القانون المذكور في المادة 44 منه بالنسبة للظروف الموضوعية المشددة من أنها لا تنسب على الشريك إلا إذا كان عالما بها فيكون الحل كذلك أيضا بالنسبة للظروف المخففة، بمعنى أن الشريك يستفيد منها إذا كان عالما بها، ما دام أن المشرع قد إعتبر الجريمة التي تقع مقترنة بأحد الإعذار المتقدمة أقل خطورة على المجتمع من غيرها، و من العدالة أن يستفيد منها الشريك إذا ما ثبت أنه كان عالما بأنه يساهم في جريمة مقترنة بعذر قانوني مخفف للعقوبة.

و لكن قد يحدث أن يكون الفاعل الأصلي حسن النية و الشريك سيء النية فما هو الحل في مثل هذه الحالة فمثلا إذا أراد زيد أن يقتل بكرا بالسم فصنع قطعة من الحلوى مسمومة و سلمها إلى عمرو ليقدمه له دون أن يعلم عمرو أنها مسمومة فأخذها و ناولها إلى المجني عليه فأكلها ومات.

فما الحكم بالنسبة لزيد و عمرو ؟ الجواب على ذلك أن عمرو يعتبر فاعلا أصليا في جريمة التسميم، و لكنه لا يعاقب لحسن نيته أعني لعدم توافر القصد الجنائي عنده، و أما زيد فأنه يعتبر شريكا لفاعل الأصلي حسن النية و يعاقب على الإشتراك في جريمة القتل بالسم، و ذلك لأن القانون كما قدمنا لا يشترط لمعاقبة الشريك أن يعاقب الفاعل الأصلي ، بل يكفي لمساءلة الشريك أن يشترك في فعل يعاقب عليه القانون حتى ولو لم يعاقب فاعله الأصلي لعدم توفر القصد الجنائي أو لتحقيق سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانعه العقاب التي سيأتي الكلام عنها.

الركن المعنوي للجريمة: و يجب لتوافر الركن أن يكون الفعل جريمة معاقب عليها، و أن يكون مرتكبه شخصا مسؤولا جنائيا عن أفعاله، و هذا هو ما يعبر عنه بالركن المعنوي أو الأدبي للجريمة و تتضمن دراسة هذا الركن ما يلي:

     أولا: البحث عمن يكون جانيا و من يكون مجنيا عليه.
     ثانيا: المسؤولية الجنائية و شروطها و عوارضها.
       من يكون جانيا و من يكون مجنيا عليه؟.

       الجاني: يجب أن يكون الجاني إنسانا، إذ الجريمة لا يمكن أن تقع من حيوان أو جماد كما كان ذلك جائزا في القوانين القديمة و التشريعات التي سادت أوروبا في العصور الوسطى و الحكمة في ذلك هي أن الإنسان وحده هو الذي يتمتع بالإرادة   و الإدراك، و يميز بين الخير و الشر، و الإرادة هي أساس المسؤولية الجنائية فإذا إنعدمت هذه الإرادة إنعدمت معها المسؤولية كما هو الحال بالنسبة للمكره و المجنون و من في حكمهما.

       و إن كان الحيوان لا يمكن أن يكون جانيا في جريمة و لا يصح أن يسأل إلا أن ذلك لا يمنع من مساءلة مالك الحيوان أو حارسه فيما لو وقعت الجريمة بواسطة الحيوان المملوك له أو المشمول بحراسته، كمن يترك كلبه في الطريق دون كمامة فيعقر أحد المارة فإنه يعاقب طبقا للمادتين 188 و 289 ع.ج رغم أن الجريمة قد وقعت بواسطة الكلب، و كذلك من ترك مواشيه تمر على أرض مملوكة للغير        و مهيأة للزراعة أو قبل جني المحصول يعاقب طبقا للمادة 458 فقرات 1 و 2 و 3 ق ع.ج و هكذا...الخ.

       و لكن ما الحكم بالنسبة للشخص المعنوي ؟ هل يمكن مساءلته جنائيا؟.

       يرى بعض الشراح أن الشخص المعنوي هو مجرد خلق أو تحايل إبتدعه المشرع لتسهيل التعاملات و أداء المصالح المشتركة و لذلك فهو لا يسأل جنائيا،    و إنما يمكن مساءلته مدنيا عن الأضرار الناتجة عن جريمة إرتكبها أحد ممثليه أو أثناء تأدية عمله أو بالوسائل المرصدة لخدمته طبقا للقواعد المنصوص عليها في القانون المدني.

       و يرى فريق ثاني ضرورة تقرير المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، لأن المصلحة العامة تقضي بتوقيع العقوبات عليها إذا ما إرتكبت الجريمة بواسطة ممثليها، و إذا كانت العقوبات المقيدة للحرية لا يمكن تنفيذها عليها، فإنه من الممكن النص على عقوبات مناسبة لها كالغرامة و المصادرة و الحل و تضيق أعمالها     و حرمانها من حق قبول التبرعات و ما إلى ذلك.

       فريق ثالث يرى أن الشخصية المعنوية ما هي إلا نوع من أنواع الملكية المشتركة و القول بأن هناك شخصا معنويا هو خيال إبتدعته الأفكار فأصلها في حقيقة الواقع فلا مناص من مسوءولية الشخص المعنوي مدنيا و جنائيا أمام القانون.

       فريق رابع يرى أن الشخص المعنوي هو كائن حي له إرادته و ماله و إن كان هو يدار بواسطة شخص آخر يمثله شأنه في ذلك شأن الموكل و وكيله          و القاصر و وصيه و القيم و الواقع عليه الجحر.

       و قانون العقوبات الجزائر يكرس هذا مبدأ و أقر مساءلة و متابعة الشخص المعنوي جزائيا في المادة 51 مكرر التي تنص ( باستثناء الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلـك .


إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعـال ).

       بالإضافة إلى المواد 18 مكرر 2 و 69 مكرر ع.ج ورصدا المواد من 65 مكرر إلى مكرر 4 إ ج ج للكيفيات القانونية للمتابعة الجزائية.

       المجني عليه: يمكن أن يكون مجنيا عليه كل ما هو أهل لأن يكون صاحب حق لأن الجريمة لا تخرج عن كونها إعتداء على حق فالشخص الطبيعي أو الحقيقي يصح أن يكون مجنيا عليه و كذلك الشخص المعنوي.

       و أما الحيوانات و الجمادات فلا يمكن أن تكون مجنيا عليها لأنها ليست أهلا لإكتساب الحقوق، و يجب هنا عدم الخلط بين المجني عليه في الجريمة، و محل الجريمة أو جسم الجريمة، فالمجني عليه يجب أن يكون شخصا إكتسب الشخصية القانونية أعني أنه ولد حيا و تم فصله عن أصله أما محل الجريمة فقد يكون إنسانا و هو المجني عليه نفسه أو شيء يملكه المجني عليه كحيوان أو جماد.

       و الغالب أن يكون المجني عليه إنسانا فيجني عليه في شخصه كما في جرائم القتل و الجرح و الضرب المواد 254 و ما بعدها من قانون العقوبات الجزائري أو يجني عليه في ماله كما في جرائم السرقة و ماإليها (المواد 350 و ما بعدها).
       و حماية القانون للإنسان ليست مقصورة على حمايته بعد ولادته فقد تناوله قبل ميلاده المواد 304 و ما بعدها التي تعاقب على الإجهاض و تتناوله بعد مماته المواد 150 و ما بعدها و التي تعاقب على إنتهاك حرمة القبور و الموتى.

       و لكن كيف يمكن أن تقع الجريمة على جنين لم يولد أو على شخص ميت؟ الجواب على ذلك أن المجني عليه في حالة الإجهاض ليس هو الجنين و إنما هو الأم التي تتحمل الآلام و تتعرض حياتها للخطر فحماية القانون انما تنص على الأم لا الجنين و كذلك في حالة إنتهاك حرمة القبور و تدنيسها، فإن المجني عليه هنا هو الهيئة الإجتماعية لا شخص الميت لأن هذه الجريمة اعتداء رهيب على حرمة عامة و شعور بواجب الاحترام أما الميت فلا حقوق له إذ لاحق بغير صاحب و صاحب الحق هنا معدوم، و كما يصح ان يكون المجني عليه شخصا طبيعيا يصح أيضا ان يكون شخصا معنويا فيجني عليه في وجوده كما هو الحال في الجرائم التي تمس أمن الدولة و كيانها (المادة 61 و ما بعدها ع.ج أو يجني عليه في ماله كجرائم إختلاس أموال الدولة (المادة 119 و ما بعدها). أما الحيوان فكما قدمنا لا يكون مجنيا عليه لأنه ليس له حقوق و مع ذلك فإن القانون يعاقب على إساءة معاملته دون مقتضى بالغرامة من 5 إلى 20 د ج، أو بالحبس عشرة أيام على الأكثر. المادة 449 التي تعاقب بهذه العقوبات كل من أساء معلمة الحيوانات المستأنسة أو المأسورة و بغير مقتضى و لكن حماية القانون للحيوانات في هذه الحالة ليس لأن له حق في الحماية إذ الحيوانات ليس لها حقوق، و إنما هو حماية الهيأة الإجتماعية من مشاهدة مناظر القسوة و سوء المعاملة، و لمنع إرتكاب مثل هذه الأعمال ينهى القانون على تسميم دواب الحمل و الركوب و المواشي محافظة على الثروة الحيوانية المادة 415 ع.ج. و قد يعاقب القانون في بعض الأحوال من يعتدي على الحيوانات بإعتبار أنها مملوكة للغير و يكون التعدي عليها إعتداء على حق مالكها المادة 443 ع.ج.